استغربت كثيرا أن تظهر الإحصاءات الرسمية من التجار أنفسهم وعلى لسان رئيس مجلس الغرف السعودية الأستاذ صالح كامل أن السعوديين يستثمرون في مصر وحدها بطاقة إجمالية بلغ حجمها ثلاثين مليار جنيه مصري!! وأن 70% من تلك الاستثمارات السعودية تمثل استثمارات عقارية على الرغم من حاجتنا الملحة لوحدات سكنية ومنشآت عقارية في كافة أرجاء الوطن!! وأن 20% منها عبارة عن استثمارات صناعية وأن إجمالي الشركات السعودية المسجلة في مصر وحدها قد بلغ 2355 شركة وأن السعوديين ينفقون نحو 500 مليون دولار سنوياً على السياحة بمصر!! كما أعلن عدد من رجال الأعمال السعوديين أيضا عن انشغالهم بتأسيس بنك سعودي بمصر يبلغ رأس ماله مليارات من الجنيهات أيضا!! وتساءلت مع نفسي بعد إحساس بالغصة ومزيد من الاستياء عن حجم استثمارات السعوديين في الخارج سواء في تونس مثلا التي كشفت الأحداث الأخيرة حجمها أو في دول عربية وأوروبية أخرى وغيرها من دول العالم!! فالأرقام بكل تأكيد ستكون بمليارات العملات الصعبة!! هذه الأرقام من المليارات تحتاج – في نظري - إلى وقفة بل وقفات خاصة من قبل الجهات الحكومية المختصة في هذا الوطن والمجلس الاقتصادي الأعلى الذي أوجد من أجل تنمية وتطوير اقتصاديات الوطن على وجه التحديد.. فهناك أكثر من تساؤل ملح يقفز إلى الذهن أمام هذه الأرقام يتمثل في السبب الذي جعل رجال الأعمال أولئك يحرمون الوطن من استثماراتهم المليارية تلك ويتجهون بها إلى الخارج!! أهو بسبب تعقيدات في العملية الاستثمارية المحلية؟ أم بسبب وجود فرص وأوعية استثمارية متنوعة ومتميزة هناك؟ أو بسبب رغبة في التكامل الاقتصادي العربي!! أو ماذا؟! أعتقد أن من حقنا معرفة وفهم السبب.. كما أن من حقنا أن نطلب من مجلسنا الاقتصادي الأعلى دراسة هذا الأمر الذي يفترض أن يشكل هما وطنيا.. كم هي الوظائف التي ستقدمها للوطن تلك المليارات لو كانت تستثمر داخله؟! وكم حجم الحركة التجارية التي ستتم ويستفيد منها أبناء وبنات هذا الوطن لو كانت تلك المليارات استثمارات سعودية محلية؟! أم أن رجال الأعمال يريدون من أبنائنا وبناتنا السفر إلى مصر وتونس وغيرهما من الدول العربية والغربية ليعملوا في تلك المشاريع الضخمة ذات المليارات السعودية رغبة منهم في معالجة البطالة وتوظيف المواطنين!! وإذا ما أضفنا لتلك المليارات الطائرة من الوطن من قبل أبنائه لتستثمر خارجه وتهرب بالفرص الوظيفية عن أبنائه وبناته حجم تحويلات العمالة الوافدة التي تعمل في وطننا والتي تعد الأعلى تحويلا للمال على مستوى العالم فإننا سنصاب بالدهشة أيضا وكثير من الامتعاض!! ذلك أن النتائج ستشير إلى نزيف خطير جدا ينهك اقتصادنا الوطني ويقدر بمئات المليارات التي يخسرها الوطن بشكل مستمر!! أظن أننا بحاجة سريعة للمراجعة فالملاحظ يا عباد الله أن حجم الاستثمار الأجنبي "الهزيل" في وطننا أكل الأخضر واليابس عن أبناء الوطن بينما لم يقترب من وطننا ذلك الاستثمار الضخم الذي يحقق إضافة ذات قيمة لاقتصادنا والذي يجدر بنا البحث عنه وهو ما طالب مجلس الشورى في إحدى جلساته الماضية بتحقيقه من خلال تحديد حد أدنى يمثل المبلغ المالي المستثمر بالمملكة للمتقدمين بطلب الاستثمار الأجنبي كما أن "بعض" أثرياء الوطن "فروا" بأموالهم للخارج من أجل استثمارات يحتاجها الوطن بشدة.. والملاحظ يا عباد الله أيضا أن العمالة الوافدة بازدياد وأن الاستثمار المحلي الوطني بتناقص مستمر وربما "خرج" من السوق أكثر ممن "يدخل" إليه من الموطنين عندما زاحمهم الأجانب الذين يحصلون على تسهيلات ربما لا يحصل عليها السعودي خاصة في قطاع المقاولات الذي جاء بقبعة أجنبية في كثير من حالاته وبعمالة من الآسيويين بينما "أفلست أو تكاد" كثير من شركات المقاولات السعودية التي لم يسمح لها باستقدام العمالة "الآسيوية" بنفس التسهيلات التي تحظى بها شقيقاتها "الأجنبيات"!! ومع قرارات المليك التاريخية التي ستجعل الوطن ورشة بناء وتشييد وعمل لا يهدأ يبقى السؤال ماثلا أمام العين والأذن وكل الحواس.. هل سيتم تعديل بعض الأنظمة لتتفاعل مع تلك القرارات وتحقق الخير الوطني الذي ينشده المليك؟! وهل تحفز الأحداث هنا وهناك رجال الأعمال لتكثيف استثماراتهم في أوطانهم بدلا من الطيران بها في مهاب الريح العاتية؟! لا أدري لكنني أظن أن هذا الأمر جدير بالدراسة وسن الأنظمة.. والرأي لكم