عُرفت جماعة الإخوان المسلمين خلال العقود الأخيرة بقدرتها على التكيّف مع قوالب المجتمع الذي تعشش داخله، تقيس تمددها وفق الحدود التي تنقبض وتتمدد بحسب الظروف الداخلية والخارجية، يضيق الخطاب إلى درجة التشدد حين تكون الأمور الأمنية والسياسية مسترخية، ثم تُصعّد ضد العنف واستهداف الآمنين وضد التنظيمات المسلحة حين يأتي حدثٌ يهزّ كيان المجتمع ويرعب سكانه. هذه الحركة المطاطية هي شكل الاتجاه الحركي الذي يغلف فكر جماعة الإخوان المسلمين، من التشدد إلى الانفتاح، من الانقباض إلى الانبساط بحسب الظروف، حتى إن بعض النصوص والخطابات تتماهى أحياناً مع التنظيمات المسلحة تشدداً، وبعضها الآخر حين تنبسط الموجات تذهب بعيداً حتى تستفزّ التيارات الإسلامية التقليدية، وتصل إلى حالة تطابق مع الخطاب الليبرالي والعلماني، يمشون على البيت الشعري القائل: "البس لكل حالةٍ لبوسها". صار خطاب الإخوان لباساً تحدده الأجواء الفكرية من جمرة الصيف إلى زمهرير الشتاء، وتستمر المسرحية الفكرية الإخوانية التي تسببت في وصول الأميركيين إلى حالة "عدم الفهم" لنوايا الإخوان المسلمين في مصر، وهل سيمثلون نهجاً منفتحاً يمكن التعاون معه على غرار إسلامية تركيا المنفتحة، أم سيظلون يدورون في ضبابية خطابهم، فيشدون المتابع معهم كل لحظة راحلين به رحلة الشتاء والصيف؟! منذ 25 يناير 2011 والخطابات المتبادلة بين الولاياتالمتحدة والإخوان مليئة بأشجان الغزل، بلغ الغزل ذروته حين صرّح أوباما في مقابلة مع تلفزيون "فوكس نيوز" بتاريخ 10 فبراير 2011 جاء فيه: "الاخوان المسلمون هم مجرد أحد التنظيمات السياسية في مصر، ولا يتمتعون بتأييد الاغلبية لكنهم حسنوا التنظيم ويمكن التعامل معهم وبعض أشكال فكرهم معادية للولايات المتحدة". صوتٌ آخر لكن هذه المرة من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في تصريحات لموقع "مصراوي" ونقلتها "رويترز" الخميس 24 فبراير 2011 جاء فيها: " إن الإدارة الأمريكية لن تعارض وصول جماعة الإخوان المسلمين المصرية للسلطة في البلاد مادامت تنبذ العنف وتلتزم بالديمقراطية وحقوق كل أبناء المجتمع". وتضيف: " أي حزب يلتزم بنبذ العنف ويلتزم بالديمقراطية ويلتزم بحقوق كل المصريين أياً كان فيجب أن تكون لديه الفرصة للمنافسة على أصوات المصريين." خطابان من الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته، يتفقان على الاقتراب من التنظيم الإخواني في مصر، على اعتباره التنظيم الأكثر تماسكاً وتنظيماً، هذه اللغة في نظري تبين مستويين من الرؤية الأميركية، المستوى الأول: أن الولاياتالمتحدة تقطع نظرياً باستحالة وجود تنظيم داخل مصر يوازي انتظام الإخوان، ونسيت أن حال التنظيم الذي يسحرها تحرسه الشعارات الأيديولوجية لا المشروع الوطني الذي يبحث عنه المواطن المصري. أما المستوى الثاني: فهو يدلل على صحة وجود غزل بين الإخوان وأميركا، تحاول الولاياتالمتحدة أن تضع ولو نظرياً نقطة التقاء يسير إليها كل طرف خطوة ليقتربا عند حالة الوسط، والإخوان يريدون هذا التقارب وبخاصةٍ بعد أن تمت الموافقة على تأسيس حزب الوسط الإسلامي في مصر، وسط اضطراب في مواقف الإخوان هل يتحولون إلى حزب سياسي أم يظلون حركة على ما هم عليه؟ أما المخابرات الأميركية فهي تسير في حقل ألغاز لفهم الإخوان، حيث نقلت وكالة "أ.ف.ب" عن مدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر قوله: "لا تزال أميركا غير قادرة على استشفاف نوايا الإخوان" ويشترك معه في ذات الرؤية ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات المركزية. في حين يبادر الناطق باسم الإخوان سعد الكتاتني مصرحاً لصحيفة "الدستور" بأن: "الإخوان يحترمون اتفاقية كامب ديفيد". موجة التغيير في مصر يريد لها الإخوان أن تثمر عن تقارب مع قوى دولية تمنحها الحصانة من الإقصاء السياسي حتى تدخل إلى مفاصل الحكم في مصر وغيرها، الرؤى التي سيطرحها إخوان مصر خلال الانتخابات الآتية ستكون حاسمةً في تاريخهم إما قربٌ لم يعهدوه، وإما عودة الجفاء الأميركي المعتاد، وإن غداً لناظره قريب!