تتشعّب الأسباب التي تؤدي الى تعثر ولادة حكومة الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي بين داخلية وخارجية. ويبدو بأن "اعتكاف" قوى 14 آذار عن المشاركة في الحكومة العتيدة سهّل الأمور على ميقاتي الذي بدأ في الآونة الأخيرة محاولات حثيثة لفكفكة العقد الداخلية وخصوصا عقدة وزارة الداخلية والتمثيل المسيحي، وبدأت تباشير الحلحلة - غير المضمونة- تبرز، ومنها إجتماع رئيس "التيار الوطني الحر" ميشال عون مع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية والذي نتج عنه اتفاق لا يزال طي الكتمان لكنه يرجح استلام "تيار المردة" للداخلية، لأن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يرفض قطعا تولية الداخلية لشخصية يسميها عون. لكنّ محاولات تشكيل الحكومة بدأت تتسابق مع إمكانية إعلان القرار الظني للمحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه عام 2005، وبرزت مطالب جديدة للمدعي العام دانيال بلمار من بعض الوزارات اللبنانية، وإذا صحّ أن القرار الظني سيصدر في غضون 10 أيام فإن "الطباخين" للحكومة يفضلون تجميد التأليف مما يساعد بحسب سياسي من الأكثرية الجديدة "على درء الفتنة بين اللبنانيين، إذ يطلع القرار الاتهامي في ظل عدم وجود حكومتين اثنتين، لا للحريري ولا لميقاتي، وبالتالي على من سيثور وينتفض من يفكر بالاعتراض على هذا القرار؟!"، يضيف: "عندها تصبح المحكمة الدولية مثل قنبلة تنطلق في الفراغ". ويلفت هذا السياسي المخضرم الى أن " التأخير في تشكيل الحكومة له أيضا مفاعيله على البيان الوزاري المنتظر دوليا، وقد تصبح صياغته أسهل بكثير بعد صدور القرار الظني، لأن أي اعتراض على البيان الوزاري الذي تقترحه لجنة الصياغة التي يعينها ميقاتي بعد تشكيل الحكومة تدخل حكومته حكما في مرحلة تصريف الأعمال وهو ما لا يرغب به أحد". إلا أن مصادر ديبلوماسية عدة تبدي خشيتها من التداعيات التي يمكن أن تتولد عن صدور قرار ظني قد يتهم فريقا من اللبنانيين، وتفضل في هذا الإطار أن تنشكل حكومة غير سياسية من تكنوقراط فحسب وهي فكرة يؤيدها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي لأن اي تطعيم سياسي سيدخل الحكومة العتيدة حكما في مأزق تعطّل عملها الفعال. ومن النصائح المقدمة والمثيرة للاهتمام ما قدمه ديبلوماسي غربي لتشكيل حكومة مع بيان وزاري مقتضب لا يتعدى الصفحة ويتجنب المواد الخلافية وأبرزها السلاح والمحكمة الدولية، مشيرا الى أن البيان السابق لحكومة الرئيس سعد الحريري سرد كل الأمور الشائكة التي ترضي الأطراف اللبنانية كلّها لكنّه لم يطبق! ويعلق "طباخو" الحكومة أيضا على دور سوري مسهّل يبدو أن دمشق تعتكف عنه حتى اليوم منتظرة أن يزورها طالبو التسهيلات مقدمين مطالبهم مباشرة . في هذا الوقت يلتزم "حزب الله" وقياديوه الصمت غير راغبين بالرّد على الحملات التي بدأت تشنّ على السلاح والتي بدأت منذ الاحتفال في ذكرى اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط الفائت، مرورا بخطاب الحريري الناري، ثم اجتماع البريستول لقوى 14 آذار يوم الأحد الفائت، وبعدها بيان كتلة المستقبل النيابية وآخرها بيان الأمانة العامة لقوى 14 آذار الذي قال بأن " تجارب السنوات الست الماضية أثبتت أن سلاح "حزب الله "تحول الى أداة انقلابية متمادية على النظام السياسي اللبناني وعلى آليات عمله الديموقراطي، وأداة تهويل وترهيب لقلب موازين القوى السياسية وفرض أكثر من أمر واقع خلافا لخيارات اللبنانيين وتطلعاتهم".