تحرك أينما شئت، وكيفما شئت، هذه الأيام، في وطننا الغالي، وستجد "عبدالله" حاضراً أمامك...ستجد صورته على سيارة فخمة تجوب الشوارع وتحمل عبارة " نواف ولجين ينادونك" وتجد سيارة أخرى أقل قيمة عليها عبارة "حب" منحتها فخامة وكبرياء، وستجد صاحب دراجة يتحرك بها قريباً من أهله، وهو يشعر أنه سيد المكان الذي يختصر مسافاته بفرح وشغف. ومنبع سيادته اللحظي أنه توج دراجته بعلم الوطن الغالي وصورة مليكه الإنسان. تتقدم قليلا لتجد طلاباً يتحلقون قريبا من مدرستهم حاملين صورة خادم الحرمين على رؤوسهم، ويحيطونها بعلم العزة، ولفرط مشاعرهم يتخيلونه يرفرف، على الرغم من سكونه في لوحته القماشية.تتحرك قليلا باتجاه اليمين فترى شيخاً مسناً يرفع يديه إلى السماء داعياً الله أن يحفظ قائد هذه البلاد. ولو أدرت عينيك في زاوية أخرى لوجدت أطفالا مبتهجين يوزعون الحلوى والزهور على عابري الشارع ابتهاجا بهذه المناسبة. وليس ذلك من نسج الخيال أو مصنوعاً فقد رصدت كل ذلك عدسة "الرياض" دون موعد سابق..فهي حركة الشارع الفعلية غير المتكلفة.تشدك هذه المشاهد الشعبية التي تدل على وفاء أبناء هذا الوطن وصدق مشاعرهم وكرم نفوسهم...وتُطرِق متفكرا متأملاً تناجي نفسك:هذا الشعب العظيم يستحق كل التضحيات...هذا الشعب جميل بحقه أن تعقد اللجنة تلو اللجنة لتحل مشكلاته، وتنهي بطالة شبابه، وتهيئ السكن لأسره على مختلف طبقاتها، هذا الشعب جدير بأن يتوج بنيل كل حاجاته...هذا الشعب يملك من النبل والإيثار ما يجعله جديراً بأن يُحْمَى من شباك من يسرقون مشاريعه، أو ينهبون جزءاً من ثرواته، ليعيش هؤلاء المتسلقون على أكتاف الوطن في رفاهية فردية ويتركون شريحة من هذا الشعب تغرق بسبب تجاوزات بعض المتنفذين كما حدث في سيول جدة، أو تغرق شرائح أخرى منه في حرمانها من مشاريع، يناصفهم فيها مسؤولون لم يتقوا الله ولم يقدروا قيمة الوطن.وأنت في خضم هذا التفكير، يتصل بك فجأة صديق فيبلغك أن عجوزاً مسنة ليس لها عائل دعت كل رفيقاتها إلى وليمة كبيرة بمناسبة سلامة الملك الذي تدعو له ليلا ونهاراً، غير آبهة بتكاليف هذه الوليمة" النذر"، وإن كان على حساب أطفالها اليتامى...باختصار هي وكل من عرضنا لبعض نماذجهم، وما غاب عنا من طرائف ذلك أكثر مما حضر- كل هؤلاء فعلوا ذلك لأنهم يعشقون مليكهم ولديهم استعداد متناه لأن يفدوه بأرواحهم...هذا الحب الذي يقدمه الشعب لمليكه أكبر قدراً من خزائن الدنيا كلها...هو كنز نقي مفتوح لا يحتاج فكه إلى أن تفتحه بشفرة صوت سويسرية، ولا ببصمة ...هو كتاب ثري تقرأه كل شعوب العالم،هذه اللحظات،مبهورة من ولائه، ويعاند إرادة كل أعداء مليكه...هو كما سجلته الصور الحية التي تحملها السيارات والتي نشاهدها في الشارع بعيدا عن القنوات الرسمية مضاد لكل الاتجاهات التي تعيشها أكثر شعوبنا العربية، فهو يسير باتجاه معاكس تماما.. وهي الصور نفسها التي سجلها الشعر، فإذا كانت:"كل الشعوب تقول: ( روح ) " لحكامها، فهو يقول لحبيبه، وهو خارج بلاده: "شعبك ينادي لك: ( تعال )" ، وهو نبض نسمعه دقاته في قلب الشاعر الجميل د. سليمان بن سالم السناني في مقطوعته التي عكس بها رأي الأكاديمي مثلما عكس بها الشارع الشعبي: بات الوطن من غير روح كنّه على موعد وصال برقٍ من الفرحة يلوح مس الثرى ضوّه وسال عطرٍ بأمانينا يفوح صار اغترابك له مآل لو له عن الديرة نزوح سافر معك في كل حال يا أمضى من الهمة طموح وأطيب من الطيبة خصال يا رايد الصدق / الوضوح يا قايد العزم / الرجال نرفع لك الأرواح لوح نكتب به بكل اختزال: كل الشعوب تقول: ( روح ) وشعبك ينادي لك: ( تعال ) ونجد صدى آخر جميل يقول بتلقائية شفافة مخاطبا ملك المغرب، حينما كان خادم الحرمين-يحفظه الله- هناك ، وكأنه يستشفع به في برقية بعيدة عن لغة السياسة وأعرافها ومراسم تقاليدها، لكنها مليئة بالمواطنة الصادقة والحب البريء: يا عاهل المغرب نبي عاهل الشرق أبطأ وشعب المملكة يحترونه من مقطوعة أخرى عزفها الشاعر الشمالي خالد بن صتان الرويلي، وزين بها عدد من شباب المنطقة خلفية زجاج سياراتهم، لأن حبيببهم الذي كان-لحظتها- في المغرب كان عطوفا عليهم، "دمع الرحم يغرق محاجر عيونه": ياعاهل المغرب نبي عاهل الشرق أبطأ وشعب المملكة يحترونه شعب ملكهم حب ماسادهم درق بالقلب الأبيض والوفاء والمعونة بينه وبين اللي على عروشهم فرق دمع الرحم يغرق محاجر عيونه ريف الضعيف اللي شكى قلة الزرق كم شايب"ن" لولاه خابت ضنونه يا خادم البيتين روّح لنا وأرق فوق السحاب لمملكتك المصونة ولاؤنا يحرق قلوب العدا حرق الشعب وافي والعهد ما يخونه أبى الشعب السعودي إلا أن يتظاهر مثل الشعوب الأخرى، هذه الأيام، لكنه بدلا من أن يضع صورة زعيمه على الأرض وضعها على رأسه، وبدلا أن يخرج بشعارات تشتم قادتها،حمل شعارات متحركة في سيارته أو على عاتقه، لكنها مثل: "يا عاهل المغرب نبي عاهل الشرق/أبطأ وشعب المملكة يحترونه" و"كل الشعوب تقول:روح/وشعبك ينادي لك تعال" و"أنورت بقدومك الدار يالغالي" و"جعلها تبطئ سنينك" و"سلمت لنا ياأبا متعب"...وغيرها تضج بها كل مدننا وقرانا.هي عبارات صادقة لأن الذي يهرول بها في الشارع شباب منهم من لم يجدوا عملا، وفقير مهلهل الثوب، وعجوز نذرت وليمة...هؤلاء لم ترهقهم التخمة وتمتلئ حساباتهم بالأرصدة، فيظن أنهم يتزلفون،حفاظاً عليها، بل هي شرائح شعب صادقة أحبت قائداً تشعر أنه حريص عليها، وصادق معها،فبادلته الشعور نفسه.