انطلاقاً من الحس الوطني وإيماناً منهما بأهمية تضافر الجهود.. بادرت وزارة البترول والثروة المعدنية بالتضامن مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني بإطلاق معهد ريادة الأعمال الوطني (ريادة)، والمعهد لا يعتبر مرفقاً تدريبياً بالشكل التقليدي، بل هو مؤسسة تأهيلية تقوم برصد الواقع وبناء ثقافة العمل الحر، ولمعرفة المزيد من التفاصيل التقينا بالدكتور إبراهيم بن عبد العزيز الحنيشل المدير التنفيذي لريادة وكان لنا معه الحوار التالي : * تجربة (ريادة) أسست لشراكة إستراتيجية بين وزارة البترول والثروة المعدنية والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.. ما سر هذا النجاح ؟ - الوزارة لديها تفكير رائد في الخدمة الاجتماعية،ودعم المشروعات الإنمائية، ورأت توجيه بعض الأموال في هذا الاتجاه وقد وقع اختيارها على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ولدينا مع وزارة البترول والثروة المعدنية تجربة سابقة في معهد البلاستيك، الذي يعد من أكبر وأنجح المعاهد في المملكة، ونشأ كشراكة إستراتيجية. ونجاح هذه التجربة جعل منها أرضية صلبة لإمكانية التعاون في مجالات أخرى ، ووكان لدى الوزارة رغبه في دعم المشروعات الصغيرة وبعد مسح شامل لتلك المشروعات، وقع اختيارها على مركز المنشآت الصغيرة والمتوسطة التابع للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، لما لمست فيه من نجاح، وبدلاً من أن يكون دورها الدعم فقط، وجدنا أن تكون هناك شراكة إستراتيجية من خلال معهد ريادة. وقد شارك في تأسيس هذا الصرح عدة جهات وشركات رائدة على مستوى المملكة هي سابك وأرامكو والاتصالات السعودية ومصرف الإنماء والبنك السعودي للتسليف والإدخار . * ألا توافقونا الرأي أن هناك فجوة كبيرة بين جدية الشاب و اقتناع الجهات الحكومية والممولة .. وكيف تتعاملون معها؟ - ما يمكن معرفته من الوهلة الأولى ومن خلال الإجراءات المتبعة أن هناك فجوة بين الطرفين، وسد هذه الفجوة يحتاج إلى أن ننجح في المشروعات التي لدينا، لذا نحرص على حسن اختيار الشباب الذين يتم تمويلهم، ، فإنه يتم تدريب الشباب على مهارات العمل الحر في آن واحد حيث نقيم الدورات في عدد من المدن على امتداد المملكة في التوقيت نفسه ، وجميعهم يبحثون عن التمويل، وهؤلاء يتم اختيارهم من بين العديد من المتقدمين الذين يتناقصون لكثير من الأسباب، وذلك لأن غير المتفرغين يكونون قد انسحبوا، وهناك من كانت فكرته غير واضحة، وعندما نطلب منه بلورة الفكرة يذهب ولا يعود، ومثل هذا إذا تم تمويله مباشرة، لا يمكن أن ينجح، وفشله سيسجل على ريادة، لأنه يؤكد فكرة عدم الجدية التي لدى بعض الجهات الحكومية عن الشباب.أما الجادون من الشباب فيعودون بعد أن يفكروا أكثر في مشروعهم، فيعدلون بموجبه خططهم، وقد يجد المشروع القبول بعد هذا التعديل. وخلاصة القول إن الجادين هم الذين يستفيدون من الفرص المتاحة، مما يرفع نسبة النجاح، على عكس إذا لم تتم هذه العملية، فإن ارتفاع نسبة الفشل أمر حتمي.وأنا لا أبوح بنسبة النجاح لمشروعات ريادة، لأن هناك من يمكن ألا يصدق، فهذه النسبة تفوق ال96%، ومقياسنا في تحديد هذه النسبة هو الاستمرارية، وذلك في خلال ثلاث سنوات. ما نتبعه في التمويل هو دفع المبلغ في أقساط حسب الإنجاز..وخدماتنا تستمر طوال مدة المشروع * ذكرتم في أكثر من مناسبة أن دعم أفكار الشباب الريادية ونشر ثقافة العمل الحر تمثل هاجس وطني .. كيف تحققون هذه الأهداف؟ - نحن حريصون دائماً على تحقيق الريادة من خلال تشكيل بيئة عمل معززة لتحويل أفكار الشباب إلى فرص عمل متميزة تسهم في بناء اقتصاد المملكة العربية السعودية.عليه فإن هدفنا السامي هو تحويل جهود الشباب من البحث عن وظيفة إلى التوظيف الذاتي، وذلك بنشر ثقافة العمل الحر، ومساندة الشباب لتحويل أفكارهم الريادية إلى مشاريع استثمارية ذات قيمة مضافة.لذا فلا غرابة أن نعمل بكل ما في وسعنا للوصول للشباب لتحقيق هذه الغاية الوطنية .. فنحن منتشرون بفروعنا في كافة أنحاء المملكة ونعمل من خلال الإعلانات، إذ نعد حملة كل فترة لاستقطاب الشباب، كما أن لدينا موقعاً تفاعلياً يوفر للشاب كل المعلومات المطلوبة، كما يمكنه ملء بياناته عبر الإنترنت، ونرد عليه أيضاً بالطريقة نفسها، موضحين الملاحظات، وما يجب عليه أن يستكمله من بيانات، وما ينبغي أن يقوم به من خطوات، حتى يحصل على الموافقة على مشروعه.ولا شك أن مشروعاتنا السابقة تروج لريادة، وتؤكد مصداقيتنا في التعامل، لذا فإن أخبار النجاحات تنتشر، ومن خلالها يتعرف آخرون على مشروعات ريادة، ويحاولون عرض مشروعاتهم. * ماذا يتوجب على الشاب القيام به للتأكد من استفادته القصوى من برامج ريادة؟ - أود قبل الاسترسال في الإجابة أن أوضح أن ريادة يقدم الخدمة لكل الفئات الصغير والكبير، والموظف، والرجل والسيدة، فيما يتعلق بالإرشاد والاستشارة والتدريب، أما فيما يتعلق بالتمويل، والمعروف أن هذا هو هدف الغالبية من المتقدمين، فإنني أوضح أن ريادة ليس جهة ممولة، ولكنه جهة تسهل الحصول على التمويل، فيأخذ اشتراطات الجهة الممولة ويطبقها، وأغلب الممولين يشترطون التفرغ، فإذا تقدم أحد غير متفرغ لا يمكن أن نلبي طلبه، وهناك شروط أخرى كالعمر وغيره، أما نحن فلا نشترط شيئاً، ولنا استعداد لكل من يتقدم إلينا.أما فيما يتعلق بالخطوات التي يجب أن يتبعها الشاب قبل وبعد الالتحاق بريادة فإن أهم شيء أن يجلس الشاب مع نفسه أولاً، ويتأكد أن لديه الرغبة الصادقة في اقتحام مجال العمل الحر، وأن لديه مقومات ريادة الأعمال، وجاد في بلوغ هدفه، وأن يكون قد فكر في مشروع يتناسب معه، أي أن قراره ينبغي أن يكون موضوعيا وواقعياً، ويعمل في مجال يفهمه من خلال تأهيل أو خبرة سابقة أو توارث ، والفكرة لا بد أن تكون جاهزة لديه.وعموماً الإجراءات سهلة وميسرة، وهي تتم عبر الموقع الإلكتروني، ويتم البت في الطلبات بطريقة سلسلة، ومن تتوافر فيه الشروط يتم تحديد موعد معه للمقابلة الشخصية، وإتمام الإجراءات، وبلورة الفكرة، والانطلاق نحو تنفيذ المشروع، وقد تكون هناك ملاحظات ينبغي تداركها قبل التنفيذ. * ولكن قد يواجه المتقدم نوع البيروقراطية في الإجراءات كما هو الحال في كثير من المؤسسات الخدمية ؟ - حتى لا يقال عنا مثل هذا الكلام نحدد مواعيد لكل شيء، ولكل إجراء موعده المعلوم، ونحن مطالبون بالإجابة عن كل الأسئلة، وحتى في حالة عدم القبول لا بد من توضيح الأسباب، سواء كانت تتعلق بشروط الجهة الممولة أو بتقييم المشروع، أو بترخيصه، وفيما يتعلق بالفكرة نطلب من صاحبها في حالة الرفض أن يبلورها، ونتيح له دورة تساعده على تحديد مشروعه بدقة، واسمها (كيف تحدد فكرة مشروعك؟)، ونتيح له المجال ليعود لتقديم فكرته بشكل أكثر نضجاً. * ألا ترون أن هناك بعض الأفكار تستحق التحيز لها والاستثناء من الجهات الممولة؟ - لا أخفي عليك سراً إن قلت لكم نعم حدث كثيراً وخصوصاً في حالة وجود فكرة متميزة، وشخص يستحق الدعم، وقد تجاوبت الجهات الممولة في أغلب الأحيان، وهذا جزءاً من دورنا، إذ علينا تذليل العقبات، والأخذ بيد الجادين. * يلاحظ أن كثيراً من الشباب ممن تقدموا بمشروعات يتراجعون لماذا؟ - برأينا أن الحصول على التمويل هو السبب ويتضح ذلك من خلال دراساتنا ووقوفنا على كثير من الحالات حيث وجدنا أن بعضهم كان يظن حصوله على التمويل دفعة واحدة، أي أن هدفه الحصول على التمويل فقط من دون جدية في تنفيذ مشروعه ولذلك عندما لا يجد ذلك ينسحب دون مبرر.وعليه يمكن القول أن ما نتبعه في التمويل هو دفع المبلغ في أقساط حسب الإنجاز، وليس بدفعات منتظمة، فإذا منح القسط الأول مثلا للتجهيز، فإنه يتم منحه الدفعة الثانية متى أنجز المطلوب من دون النظر في المدة، وإذا تقاعس يتم وقف التمويل بعد فترة السماح، وبذلك تكون الخسائر بسيطة، إذا توقف المشروع. وخدماتنا ومساعداتنا للشباب الجاد تستمر طوال مدة المشروع، فإلى جانب التمويل هناك الاستشارات التي يحتاج إليها كل صاحب مشروع. * وما الطريقة المثلى التي تتبعونها في توعية واستقطاب الشباب؟ - دائماً في مجال المشروعات يظل الخبير هو الذي يعمل في الميدان، مثل صاحب ورشة أو مصنع له خبرة طويلة، وأصحاب الخبرات هم الأقدر بتقديم تجاربهم للشباب، ولكن لا يمكن في الوقت نفسه الاستغناء عن أصحاب الفكر، لأن صاحب الخبرة قد يعجز عن إيصال تجربته، لذا نحن نمازج بين الاثنين. * ما الهدف الذي تخططون لتحقيقه خلال السنوات الخمس القادمة؟ - نستهدف إلى تأسيس وتوفير 10000 مشروع صغير للشباب خلال 5 سنوات ويمثل لنا هذا العدد تحدياً، وقد قصدنا أن يكون الطموح بلا حدود، لأن كل العناصر متوافرة، فالشباب الراغب في العمل الحر موجود، والتمويل موجود، والمفقود الجسر بين الشباب وجهات التمويل، فإذا توافر الجسر الجيد ستتحقق الأهداف بسهولة، ونأمل أن يتمكن ريادة من القيام بهذا الدور، على الرغم من صعوبة المهمة.كما نهدف إلى نشر ثقافة العمل الحر في المجتمع، وبناء سلوك إيجابي تجاهه، وتطوير الكوادر البشرية العاملة في مجال ريادة الأعمال، وتطوير البرامج الداعمة لنجاح رواد الأعمال، وتدريب وتأهيل وتوجيه وإرشاد الشباب والشابات لإقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة قادرة على النجاح والنمو. * قد تتعرض بعض المشاريع للفشل برأيكم ما أسباب ذلك؟ - قد يكون سبب الفشل عدم وجود خبرة جيدة لدى الشاب في المجال الذي اختاره، وقد يكون الشاب غير مستهدف العمل التجاري في الأساس، وبعضهم يريد ممارسة التستر، فيتفاجأ بجدية ريادة، ومتابعته العمل.ومن الأسباب وجود منافسة شرسة في السوق لا يطيقها بعضهم، وهناك من يجد فرصة وظيفية جيدة في دائرة حكومية، فينسحب. * كيف تنظرون إلى مستقبل العمل الحر وثقافته؟ - يحدونا تفاؤل كبير بنجاح العمل الحر في المملكة، لأن العوامل متوافرة، وكانت المشكلة في توجس كل طرف من الآخر، وخصوصاً أن الجهات الممولة تقدم بسخاء مثل الصندوق الصناعي ووزارة المالية وبنك التسليف، والبنك الزراعي، وكانت الإشكالية في عدم وجود الجسر، الذي يتمثل الآن في ريادة. * هل هناك توجه لتوحيد الجهود القائمة حالياً نحو ريادة الأعمال؟ - منذ خمس سنوات مضت قد لا يسمع أحدنا عن المنشآت الصغيرة أو ريادة الأعمال، ولكن الصحف اليوم غنية بأحاديث عن ريادة الأعمال وما يتعلق بها من برامج ومراكز واتفاقيات ومشروعات وغيرها، ما يعني أن هناك حراكًا عاماً في هذا المجال، والشيء الإيجابي الذي ألمسه صدق توجهات القائمين على هذا المجال.