** فتحت «الشباك» في ذلك الجو البارد من مساء يوم الجمعة 28 يناير.. وقلت لمجموعة من الشبان الذين يتولون مهمة حراسة شارعنا والشوارع المجاورة.. - يا شباب.. اعملكوا شاي.. رفع أحدهم رأسه وقال على عجل وبشيء من اللهفة وعدم التوقع: - يا ريت يا حج..!! قلت بعطف أبوي صادق! - عنيه.. بس كم عددكم!! تلفتوا في بعضهم وقالوا: - أربعة.. خمسة.. خليها ستة يا حج..؟! قلت بقلة حيلة: - بس السكر اللي عندي دللوقتي قليل ما يكفيش ست كبايات؟! قال أحدهم ضاحكاً: - لا ولا يهمك.. انته أعمل الشاي والباقي علينا ثم نادى سايس «عربيات» البناية التي تجمعوا تحتها قبالة نافذتي: - يا كرم.. يا كرم.. يا كرم.. والنبي هت لنا سكر من عندك؟! وأطل ساكن السطح الذي سمع الحوار.. وصرخ: - وأنا يا زول.. ما رايدين مني حاجة؟! ولا أدري لماذا خيل لي أن الصوت بلكنة فلسطينية وليست سودانية هذه المرة.. طبعاً.. لم يسمعه أحد ولم يرد عليه سواي وأنا اقول لنفسي: - أبوعمار حضر.. يا حظك يا سهى..؟! فانطلقت على شتائم.. مع هبد وخبط.. و... - شو يا كلب يا بن الكلب؟! قلت لنفسي مجدداً.. اكيد لبنان دخل على الخط.. الله يعينك يا باخشوين غير أن الصمت حل على السطح ثقيلاً وأنا أضع الشاي. هل قلت «بناية» وانني في مصر ليلة 29 يناير.. لابد أن الأمر اختلط عليَّ وإلا فادخل مصر يجبل الحبالى.. وما دخل البناية الجميلة بسطح بيت من طين لا يهز سكونه في المساء إلا دخول وخروج قط اليف اعتاد المرور من فوق الباب والعبور من بيننا إلى حجرة «الخزانة» حيث يعيش. قلت بفرح: - يا شباب خلوا واحد يطلع ياخذ الشاي. قال ساكن السطح السوداني بلكنة فلسطيني تربية الشام: - والله يا كلب لأربطك ربطة الكلاب..؟! وسمعت صوت الكلبسات يجلجل في يديه وهو يهزها قرب أذني مهدداً.. قالت المرأة التي لم اكن أدري ماذا ارتدت في مثل تلك الساعة من تلك الليلة: - لا بلاش.. يا زول.. يا زلمة.. يا خيي ما بيستاهل حرام عليك. ونشب بينهما عراك وسمعته يقول بلهجة حجازية. - يبغي يحيد كل اللي في الشارع الكلب ابن الكلب والله ما له إلا سجن الرويس مع اللصوص والمجرمين اللي زيه. واخذ يتلو ما في «القائمة» على مسامعي وأنا أطل من الشباك.. ولابد انها كانت قاعد تصغي وهي تشعر باعتزاز شديد من عظم مسؤوليته ونفوذه وقدرته على جلب الأذى لعباد الله. قلت للشباب وأنا اشعر بالنعاس: - لما تخلصوا شاي خلوا الكبايات قدام الباب وأنا أخذها الصباح اصلي تعبان وداخل أنام. قال أحدهم بود شديد: - تصبح على خير يابا الحج؟! ولم يغمض لي جفن؟!