فقدت المملكة علما من أعلام الاقتصاد والعمل الخيري الإنساني ليس على الصعيد المحلي فقط وإنما على الصعيد العربي والإسلامي فطالما تصدر اسمه أو كان ضمن قائمة الصدارة في سجلات أثرياء العالم، ولكن التميز الذي انفرد به رحمه الله هو حجم العمل الخيري والوقف الذي تبرع به. كانت بداية الشيخ صالح الراجحي يرحمه الله في دنيا المال والأعمال كحمال وتاجر للخردة، في الصباح حمال بأجرة بسيطة، وبائع للخردوات بعد صلاة العصر وذلك في الأربعينات الميلادية. وبدأ الشيخ صالح الراجحي، حياته التجارية من الصفر ولم يكن في خلده أن يكون ثراؤه وثروته بهذا الحجم. وكان كما قال في احاديثه "كنت اعمل في الصباح والمساء وابيع واشتري في أعمال بسيطة كبيع المفاتيح والأقفال وبعض الخردوات" وقاده بيعه للأقفال والمفاتيح إلى الإمساك بمفاتيح احد اكبر الخزائن والبنوك في السعودية. المصرفي العصامي يعتبر أحد العمالقة المؤسسين للأعمال المصرفية في العالمين العربي والإسلامي ويضيف "كنت أشقى في بحثي عن لقمة العيش منذ ولادتي في البكيرية". أما عن بدايته مع الصرافة والبنوك فيقول "كنت اجلس في إحدى الساحات في الرياض قديما وابسط لأقوم بصرف النقود للناس (تغيير العملة) بعد أن اتجهت إليها وكان الناس يتهافتون علي للصرافة البسيطة جدا حتى انه يذكر منهم رجال أعمال سعوديين كباراً منهم عبد العزيز الشقري وسليمان المقيرن وعبد العزيز الحقباني وغيرهم". وافتتح أول مكان للصرافة عام 1366ه ومنها انطلقت مجموعة الراجحي التجارية. وعند الحديث عن ملامح من سيرة الفقيد صالح الراجحي يرحمه الله يبرز للأذهان مصرف مؤسسة صالح عبدالعزيز الراجحي الذي أسس عام 1356ه الموافق 1937م والذي يعد من أقدم وأبرز المصارف الوطنية بمدينة الرياض، حيث قام بدور حيوي وهام، وقد رافق هذا المصرف تطور مدينة الرياض، فتطور مع تطورها، ونما مع نموها السريع، وفي حين أنه كان وما زال يحتل مكاناً بارزاً في حي الديرة بالرياض، إلا أنه مع ازدياد عدد سكانها قام المصرف في أواخر عام 1390ه بفتح فرع كبير له في شارع البطحاء ليقوم بكافة الخدمات المصرفية إلى معظم أنحاء العالم، بعد أن دعم جهازه الإداري بكفاءات مميزة من الشباب السعودي، ومن أصحاب الكفاءات من الأشقاء العرب. اندمج مع إخوانه عبدالله وسليمان ومحمد في (مؤسسة الراجحي للصرافة والتجارة) برأس مال 600 مليون ريال وفي أثناء ذلك كان الراجحي كثير السفر للخارج، خاصة إلى بيروت، وكل أسفاره للعمل وحسب، لكي يجمع أنواع العملات من البنوك منذ عام 1380ه. ولهذا الجهد المتواصل كان المصرف قديماً يتميز بوجود جميع العملات فيه، وخاصة تلك التي يظنها بعض الصيرفيين غير مهمة، ولكن الراجحي كان ينظر إلى الأمام. وكان يتعامل مع عدد من البنوك في لبنان، ومن تلك البنوك بنك (سردار) الذي كان مديره عبده حقي صديقاً له وكان له تعامل أيضاً مع الشكرجي، وكان من كبار الصيارفة آنذاك. كما كان يسافر إلى الكويت، وإيطاليا، وأكثر الأحيان إلى ميلانو وروما، وغيرها من بلدان العالم.. وكان كثير الأسفار داخل المملكة وخارجها. وفي عام 1398ه اندمج مع إخوانه، عبدالله، وسليمان، ومحمد في (مؤسسة الراجحي للصرافة والتجارة)، برأس مال قدره ستمائة مليون ريال. وكبرت هذه المؤسسة واتسعت، وأصبح لها فروع في مناطق المملكة، وتحولت فيما بعد إلى (شركة الراجحي المصرفية للاستثمار – شركة مساهمة سعودية)، وكان الشيخ صالح الراجحي رئيس مجلس الإدارة. وزير سابق: في بعض الأمور يخالف المستشارين والمتخصصين وفي النهاية يكون رأيه الأرجح ويعد صالح الراجحي أحد العمالقة المؤسسين للأعمال المصرفية في العالمين الإسلامي والعربي، مثله مثل شومان بالأردن، وطلعت حرب بمصر، والكعكي وابن محفوظ بالمملكة، وكان أخوه الشيخ سليمان الراجحي عضده الأيمن في المشورة، وإبداء الرأي، ومشاركته بالأعمال المصرفية، وخاصة عند تأسيس شركة الراجحي للصرافة والتجارة، ومن ثم تحويلها إلى شركة مساهمة عامة باسم شركة الراجحي المصرفية. تميزه عن الآخرين: سجلت مزرعة صالح بن عبدالعزيز الراجحي للنخيل الواقعة في جنوب شرق مدينة بريدة بمنطقة القصيم حضوراً عالميا بعد أن دخلت موسوعة (جنيس) الشهيرة للأرقام القياسية العالمية عام 2006م وتم اختيارها كأكبر مزرعة نخيل في العالم إذ بلغ عدد النخيل المزروعة فيها آنذاك أكثر من 200 ألف نخلة (تضاعف العدد الآن)، ويعتبر دخول المزرعة في موسوعة (جنيس) حدثاً عالمياً يجير لصالح تطور ونماء الزراعة في المملكة العربية السعودية. يقول وزير الزراعة الأسبق معالي الدكتور عبدالرحمن آل الشيخ عن الفقيد: "في بعض الأمور قد يخالف فيها رأي الناس من مستشارين ومتخصصين ولا يتفق معهم، لكنّ رأيه في النهاية يكون هو الأرجح". الفقيد: شقيت منذ ولادتي في البكيرية ولم يكن في خلدي أن أكون من الأثرياء حيث كان يرحمه الله لديه وضوح الرؤية، ينظر إلى الموضوع، ويقلبه في عقله على كافة الوجوه، ويعرضه على ما لديه من خبرة بالسوق وحاجاته، ومتطلبات الناس والعملاء، ثم ينظر إلى أقرب الطرق إلى تحقيق الهدف، والوسيلة الملائمة لبلوغه، فإذا ما تمت الصورة في عقله لم يتردد في اتخاذ القرار.