لم أجد استهلالاً أروع ولا أصدق من قول مبدع :- ( إذا «تحجبت» سيصبح «الحجاب» أكثر الأزياء رواجا ) وأنا أقول : وإن كشفت عن ساقيها حسبنا كلنا أن الأرض كلها لجة وجمال ، أو زجاج ممرّد تحته قوارير جداولها ترقرق من لجينٍ يتداخل في العروق والوجدان - لا الأسماع والأبصار - مع ماء الحياة وريها . وإذا ضحكت أضحكت الدنيا ورقصت الكائنات ، وإن بكت أبكت ، ومرضت كل القلوب السليمة وأظلم الوجود . هي بإيجاز : الحضن الدافئ الحنون وهي الوفاء كله ، وكل العطاء وكل الجمال وكل التاريخ وكل التضحية ، وأم الدنيا وأبوها وجدها وجدتها ونسبها العريق وقبيلتها العتيقة بلا فخرٍ وبلا زيفٍ يختبئ خلفه جاهلٌ أحمق أو قليلُ فعلٍ أرعن . لها وجهٌ دمشقيٌ غنى له نزار طويلا ، وجيدٌ حجازيّ معجزُ الاستدارةِ والرواء ، ، وسحنةٌ نجدية تسافر مع الشموس ولا تمل السفر عبر الزمن ، ولها قامة نخلة في العراق لم تزل تنتظر مقيلا لجواهريّ مُتَعبٍ ثانٍ ولكنه هذه المرة يجب أن يكون خلواً من الهم والصبابة إلا هم صبابة خافقةٍ يعنيها وتعنيه في ذلك المقيل. مصر العروبة قبل نصر 73 وبعده ، ومصر الإسلام قبل حصنه الحصين في الأزهر وبعده ، ومصر الحضارة قبل الفراعنة وبعدهم وقبل الأهرام وبعدها ، مصر الثقافة عندما هُجرت بحثت الأمة كلها عن هويتها في ثقافات الآخرين حتى تاهت ، ومصر الفن عندما مرض ضعفت ذائقة الأمة بأسرها.. هي مصر ذاتها التي احتجناها كثيرا فأعطتنا في بدايات بداياتنا الملحّة الحاجة ، وهي التي تحتاجنا الآن نحن أبناءها من ساحلنا الأقصى (المزيان ) في شمال مغربنا الحبيب أبدا ، حتى آخر طرف لعبت به الريح في عمامة عماني مكافح ركب البحر في جنوب شرقنا القريب دائما . فاحفظها يا ربّ بحفظك ، واحرس المحروسة بعينك ، وأبعد عنها من يريد بها وبشبابها وثورتها السوء من مندس وخائن ومتسلق ومرتزق .