حمى الله مصر وشعبها من كل سوء ، أكاد لا أنام وأنا أتابع الاحداث التي تجري هناك عبر شاشات التلفزة المختلفة .. وهي مختلفة التوجهات والايدلوجيات والنيات والانتماءات لكنها متفقة على أن حدثا جللا يحدث في ارض الكنانة.. الشعب المسالم اللطيف خفيف الدم خرج من بيته ولم يعد حتى الآن .. مرابط في الشوارع والميادين يكتب صفحة أخرى في تاريخ طويل حافل كتبت معظم صفحاته بدماء ابنائه .. لقد رأينا وقرأنا وسمعنا عن ثورات الشعوب في مشارق الارض ومغاربها على مر العصور، وكانت معظمها لأناس عاشوا بين حقبتين لذا استطاعوا أن يميزوا بين حقبة سابقة وحقبة يعيشون فيها ، استطاعوا أن يوازنوا بين ما يريدونه من كلتا الحقبتين واختاروا ما يناسبهم ، لكن اللافت فيما يحدث في مصر هو أن الثائرين على النظام والمطالبين برحيله ولدوا في عهده ولم يشاهدوا أو يعرفوا لهم عهدا آخر ورغم ذلك فاقت ثورتهم حتى توقعاتهم ناهيك عما سببته من ارباك للعالم الغربي الذي كانت لديه صورة مسبقة عن "طيابة" الشعب المصري وفي نفس الوقت قوة نظامه ليفاجئهم ارتفاع سقف مطالبهم يوما بعد يوم حتى وصل الى الاصرار على اسقاط قمة السلطة هناك ، فكيف حدث هذا ؟ كيف حدث وقد اجتمعت اكبر العقول المحللة في الغرب وأجمعوا في كتاب حقق اعلى المبيعات هناك أن زمن الثورات قد انتهى انها فيما اعتقد ثورة المعلومات والقرية الكونية الصغيرة التي صار العالم يتبادل احداثها كأنه يجلس في غرفة واحدة يعرف كل فرد فيها ، وعوضا عن أن يعيش شباب مصر بين حقبتين ليقارن اصبح امامه العالم كله بكل انظمته واختلاف ارتفاع وانخفاض سقوف الحرية والكرامة الانسانية فيه ، العالم كله اصبح يشكل كتاب الحقب المتجاورة بدلا من المتعاقبة ، كتابا برع الشباب في قراءته واستخلاص ما يريدونه حقا منه بناء على ما هو متاح وموجود وينعم به آخرون .. الذين يقودون الثورة هناك هم جيل الفيس بوك وتويتر واليوتيوب وحتى حين انقطعت الاتصالات وانقطعت الانترنت هناك ، كان القرار قد اتخذ ولسان حال كل متظاهر يقول وعلى الطريقة المصرية : أنا خارج أسقط النظام وجاي على طول اجيب حاجة وانا جاي ؟ فترد الأم وهي منكبة على شؤون بيتها : آه .. هات بجنيه عيش وانت جاي .. ثم تستدرك ومتتأخرش ! ما سيحدث في مصر الحبيبة في الايام القادمة هو رهن بإرادة شعبها ، وما يقرره ويرتضيه ويجد فيه مصلحته سيقبله ، ولست في معرض الانحياز لرأي دون آخر فهذا شأن أبناء الكنانة ولكني أردت أن اقول إن سنة الحياة أن تمضي قدما ولا يمكن أن ترجع عقارب الزمن للخلف كما قالوا قديما : لا يمكن أن تحجب الشمس بغربال ، واضيف عليه : ولا يمكن أن تحجب تأثير الفيس بوك بقرار..