تابع الجمهور السعودي والعربي ما حدث في مدينة جدة من كارثة السيول التي خلفت الكثير من الدمار وأثارت الهلع في نفوس أهالي جدة يصحبه علامات استفهام كبيرة حول من ؟ وكيف ؟ ولماذا ؟ وإلى متى ؟ ورأينا كيف تأثر الناس بالأحداث وتفاعلوا من جميع المناطق بسبب ما رأوه من مشاهد حية وصور مؤثرة في وسائل الإعلام. ويحضر السؤال الغائب عن أذهان الكثيرين.. كيف التقطت تلك الصور؟ ومن أين؟ ومن الذي التقطها؟ إنه البطل المجهول الذي يقف دائما خلف الكاميرا، مغامرا بحياته متحملا المخاطر والصعاب ليوصل إلينا الحقيقة ويطلعنا على قلب الحدث، إنه المصور الصحفي صاحب الرسالة السامية.. فماذا يقول عن تجربته في تصوير سيول جدة .. وسط السيل ولا أجيد السباحة بدأ عامر الهلابي مصور صحفي بوكالة الأنباء الفرنسية حديثه بقوله: بعض المصورين يفضلون مساعدة الناس على التقاط الصور، ومن هول ما رأيت أثناء التصوير اضطررت أن أصوّر حتى المغرب ثم تركت الكاميرا وذهبت لمساعدة الناس وإنقاذ المحاصرين بما أستطيع. ويضيف: المصور الصحفي يعاني كثيرا ويخاطر بنفسه وبكاميرته فبعض الأصدقاء سقطوا في السيل وتعطلت كاميراتهم بالكامل. والحقيقة نحن ليس لدينا التجربة والخبرة الكافية للتعامل مع أوضاع كهذه فالتعامل مع الكاميرا تحت المطر وداخل السيول ووسط استغاثات الناس أمر مربك، فوق أرضية لا ترى مداها تعلو وتهبط فجأة، ومغامرة المشي في الماء الملوث الذي يصل إلى حد الصدر واحتمالية الاصطدام بأجسام حادة، وبالنسبة لي لم أشعر بالخوف إلا لأني لا أجيد السباحة فكنت أستند إلى جدار أو أصعد فوق الشاحنات والسيارات المرتفعة. ويعتبر التصوير في ظل هذه الظروف مغامرة كبيرة ولكنها تستحق من أجل إيصال الأحداث للناس بصدق وواقعية. وأخيرا يشيد ببطولات الشباب الذين أنقذوا الناس وأخرجوهم من بيوتهم التي أغرقها المطر. صلاح شاكر: كنت أمشي في السيل وكأني في حقل ألغام من الرياض إلى جدة أما الفنان عوض الهمزاني (أستاذ التصوير الصحفي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) الذي خرج من بيته بالرياض متجها إلى جدة بعد الكارثة التي ألمت بأهلها جراء السيول، يقول: في أوقات الكوارث يخضع الإنسان إلى أقصى درجات الاختبار في قدرته على التحمل ومواجهة الخوف، ويتطلب الأمر سرعة بديهة وعدم التردد ولو للحظات، فالأحداث لاتنتظرك سواء كنت تبحث عن إنقاذ نفسك أو إنقاذ شخص آخر أو التقاط صورة. أما الصورة الصحفية فتأثيرها قد يكون أهم عملية مساعدة، فالمصور من خلال صورة تنتقل عبر وسائل الاعلام المختلفة وتؤثر في الناس تحفز الإعلاميين والمتطوعين والمسؤولين لاتخاذ إجراءات عدة. وبدون الصورة الصحفية لن ينتقل الحدث كما هو ولن يصل صوت الضعيف بالطريقة المؤثرة. ويضيف: أردت تقديم المساعدة حسب إمكانياتي، فتوجهت بسيارتي ذات الدفع الرباعي والتي ستمكنني من الدخول للمناطق المنكوبة، وتساعدني أيضا في تحميل المواد الغذائية وإيصالها للمحاصرين. وأثناء ذلك كنت أحمل الكاميرا معي أينما أذهب وأحاول توثيق ما أشاهد كمصور صحفي، بالإضافة إلى عمل فيلم قصير وثائقي عن الرحلة باكملها والذي أهدف من خلاله إلى تشجيع وزيادة الوعي العام باهمية العمل التطوعي مهما كان حجمه وتأثيره، الفيلم موجود في موقعي الشخصي على الإنترنت وفي اليوتيوب. غازي مهدي فوق السلّم الحديدي ويقول علي إبراهيم حميدة مصور صحفي بجريدة الوطن: المصور يغامر بحياته ويقارع المستحيل ويدخل في قلب المشهد مهما كان قويا أو مؤلما ليخرج بأقوى صورة تُظْهِر الحدث كما حدث . ثم يصف لنا المشهد برؤيته: كنا في دورة للتصوير الصحفي وأنا أسمع صوت المطر على النافذة، وبحسي الصحفي توقعت أن الأمر سيكون مختلفا، فأخذت كاميرتي وخرجت فورا تحت غزارة الأمطار باتجاه المناطق المتوقع خطورتها، والأمطار تهطل بشدة فوق رأسي وأنا أحمل كاميرتي وقد غلفتها بخمس أكياس بلاستيكية ( فلم يكن لدي الوقت للاحتياطات الوقائية ) فهالني منظر هروب العائلات وغرق السيارات وسقوط الأطفال في الماء مع إخوتهم الذين يحاولون عبثا الإمساك بهم والشارع مقفل والناس يساعدون بعضهم . وأنا أحاول التقاط كل المشاهد التي أراها فأردت اتخاذ زاوية علوية لنفق الملك عبدالله وهو يغرق فصعدت إلى بناية حديثة الإنشاء للدور الخامس عبر سلم حديدي على الشارع وكان الهواء والمطر شديدا يخلّ بتوازني ولم يكن لدي ما أستند عليه ولكن بفضل الله تمكنت من التقاط عدة صور ونزلت بسلام. عامر الهلابي: لم يكن لدينا الخبرة الكافية في تصوير الكوارث الهروب للأسطح غازي مهدي مصور صحفي في الشركة السعودية للأبحاث والنشر: يقول عند رؤيتي للجو الغائم حملت كاميرتي وخرجت دون أن يُطلب مني فهذا عملي وشعرت بحسي الصحفي أن هناك ما يستحق التصوير، فكان أقرب موقع لي هو حي السامر والنخيل ولم تساعدني سيارتي من شدة المطر فنزلت مشيا على قدمي وسط السيل بعد أن أحكمت تغطية الكاميرا والفلاش وكنت أحضنها كطفل أحميه من المطر، فكنت أتنقل لمناطق عدة للحصول على أقوى اللقطات فرأيت كيف أن السيل قد اقتحم بيوت الناس واندفع داخل غرف نومهم فهربوا إلى الأسطح حتى أنهم كانوا يستوقفون المارّة في الشارع ويدخلونهم معهم للأسطح ثم وجدوا سياراتهم قد اختفت في لحظات ! ويضيف: من أصعب المواقف التي مرت علي هي مصارعتي لمياه السيل ومقاومة اندفاعه الشديد فكنت أتمسك بأحد الشباب ونشد بعضنا بعضا لتثبيت أنفسنا حتى عبورنا الضفة الأخرى بسلام وأخيرا يقول: المصور يلتقط الصور بإحساسه لابد أن يتفنن في التقاط الصورة في مواقع وزوايا غير اعتيادية و يستشعر أنه يسجل صورا للتاريخ. غازي مهدي: لابد من استشعار أنك تسجل صوراً للتاريخ ربطت سيارتي بحبل ويقول محسن سالم مصور صحفي بجريدة الرياض: فور رؤيتي لهطول الأمطار خرجت من مبنى الجريدة لتصوير الأحداث ولم أستطع التحرك بسيارتي بسبب ارتفاع المياه والطريف أني ربطتها بحبل شديد في أعمدة مجاورة تجنبا لانجرافها في السيل، ثم انطلقت مشيا على قدمي وكانت أقرب منطقة لي الشمال بحي الحمراء وفوجئت بحشود من الناس انحشر معظمهم في منطقة اندفاع السيل في خوف وارتباك شديد وقد ربطوا الحبال بين أعمدة الكهرباء ليتمسك به العابرون. وأعجبني جدا تكاتف المواطنين والمقيمين ووجود خفر السواحل مجهزين بقوارب لإنقاذ الناس. ومن أصعب ما رأيت رجل يصارع السيل وهو يحمل طفلة تتشبث به بهلع وهي تبكي، كذلك شاحنة تقل طالبات المتوسط المحتجزات في المدرسة حتى الواحدة ليلا ومشهد أب يعتلي سيارته مع أطفاله الأربع وهم يبكون.. والكثير من المآسي.. عامر الهلابي مشاهد مروّعة والمصور الشاب صلاح شاكر باشعيب مصور صحفي بصحيفة سبق يقول: في العموم يستهويني تصوير المغامرات واللقطات الخطرة ومن حسن حظي أني كنت قريب من الموقع فكنت أمشي في الماء الذي يتجاوز ارتفاعه منطقة الصدر وأصارع السيل فكأني أمشي في حقل ألغام لا أرى موضع قدمي وأتوقع الخطر مع كل خطوة تحت المطر الغزير، وكنت سأتعرض للانجراف مع السيل في أكثر من مرة ففقدت حذائي لأني لم أتخذ وسائل السلامة وصعقت بماس كهربائي من لوحة إعلانية ولكن الله سلّم. ثم يستطرد: وأنا أصور الأحداث كان الناس متذمرين وساخطين على الوضع فينادونني لأصور أوضاعهم المزرية وإظهارها للإعلام فكنت أستشعر أني أصور حدث لن يتكرر وأسجله للأجيال القادمة بخاصة أنه يسجل معالم جدة مثل نفق الملك عبدالله.. ويضيف: كان حجم الدمار لا يتصوره أحد وبعض المشاهد لا تحتمل ومن أصعبها أني صعدت فوق دوار السفن لألتقط الصورة من زاوية أوسع فرأيت شاحنة كبيرة تسقط على أحد العمال فكان مشهدا مروعا، وآخر لسيارة بها عائلة تتقلب مع السيل عدة مرات. أحيانا أكون بين خيارين أن أنقذ الناس أو أصور فأترك الكاميرا على سطح إحدى السيارات وأقدم المساعدة غير آبه بما قد يحدث لها. ويختم بقوله هدفي من التصوير إظهار الحقيقة كاملة وإيصال الأثر الإنساني القوي لحجم الخيانة . صلاح شاكر باشعيب تلبية الاستغاثة الفنان سعيد سالم (مصور إعلانات تجارية) أحد المتطوعين الذي نسي أنه مصور وخرج لتقديم العون يقول: تلقيت من زميلي استغاثة عبر الفيس بوك بأنه محتجز في موقع عمله حتى الساعة الواحدة ليلا، خرجت إليه وفي طريقي من شارع التحلية إلى شارع الأندلس رأيت ما لم أره في حياتي.. ارتفاع منسوب المياه لأكثر من متر ونصف في شارع فلسطين وشارع حائل وسيول تجرف السيارات وعوائل يتقاذفهم السيل ومناظر مؤسفة.. وأمور لم يرها أحد. ويضيف: لم أفكر إطلاقا بحمل الكاميرا أو التقاط الصور، كل ما كنت أفكر فيه هو كيف أستطيع تقديم العون للمتضررين، لأني إن حملت الكاميرا سأنشغل عن الإنقاذ، ولكن فيما بعد تمنيت تصوير المشاهد المشرفة لشباب جدة وعملهم على قلب رجل واحد ويضيف: من المواقف الصعبة التي شهدتها عائلة هندية فيها أربع نساء يسرن عكس اتجاه السيل ويسقطن في الماء الواحدة تلو الأخرى واستطعنا بحمد الله انتشالهن وإيصالهن بيوتهن. وموقف آخر في منطقة البغدادية حيث انحسرت مياه الأمطار بسبب انخفاض الأرض، تم إخراج العوائل من البيوت التي غمرتها المياه بواسطة سيارة الحفر فتألمت لأنه لا أحد يرضى لعائلته الكريمة الخروج في وضع هكذا. وللأسف إلى الآن يوجد مناطق بلا كهرباء وعائلات بلا سكن والمياه تغمر الشوارع. لم ينته الحديث عن المصور الصحفي.. فذلك العالم المثير مازال بحاجة إلى إجابة العديد من التساؤلات حول هموم وإحباطات المصورين الصحفيين وتصنيفهم ومراتبهم وصفاتهم والفرق بينهم وبين باقي الفوتوغرافيين والظروف التي تصنع نجاحهم والعديد من المحاور.. تابعونا في العدد القادم حول خبايا عالم التصوير في الصحافة السعودية.. عامر الهلابي غازي مهدي غازي مهدي عامر الهلابي عوض الهمزاني - ما بعد السيول عوض الهمزاني - ما بعد السيول سعيد سالم - إنقاذ النساء والأطفال علي إبراهيم حميدة صلاح شاكر با شعيب علي إبراهيم حميدة