في الحلقة الأخيرة من ملف "المملكة.. وحقيقة تقارير الظل" نختتم هذا الملف بالوقوف على الدور المأمول من الإعلام الخارجي في وزارة الثقافة والإعلام في نقل صورة حقيقية وواقعية عن المملكة؛ بخلاف مايتم رصده في التقارير التي تستهدف المملكة؟، ثم الدور المأمول منها في تسويق المعلومات الصحيحة؟، كذلك الوقوف على أهم السلوكيات التي تصدر -من البعض- دون وعي لتسيء إلى المجتمع، وكيف لنا أن نعمق من فهم المواطن تجاه هذه التقارير والتعاطي مع ماتبثه من إحصائيات ومعلومات خاطئة؟، وما مدى حاجتنا لمراكز ودراسات وبحوث في الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني؛ تقوم بإصدار تقارير محلية ودولية تخص القضايا التي دائماً مايتم التركيز عليها في التقارير الدولية؟، وكيف يمكننا تدعيمها لتصبح مؤثرة ومجادلة لتلك التقارير المغلوطة؟، ثم ماهي أهم القضايا التي لابد أن يتم علاجها حتى لا يتم من خلالها الدخول إلى تقارير تسيء للمملكة مستقبلاً. الإعلام الخارجي في البداية يتناول "أ.د. محمد بن سعود البشر" -أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - ضرورة الوعي بأهمية الإعلام، ومدى تأثيره في تحريك دفة أي تقارير تصدر بحق المملكة، حيث يرى أنه لا بد أن ندرك أننا اليوم في عصر الإعلام والمعلومة، والمعرفة هي قوة الأمم والمجتمعات المعاصرة، والذي لا يقدم نفسه اليوم من خلال المعرفة ووسائلها الحديثة، فإنه سيبقى في مؤخرة الركب الحضاري، موضحاً أن المملكة هي استثناء من بين الدول العربية والإسلامية، وهو استثناء له تبعات يجب أن تتحملها الجهات المسؤولة، سواء في مؤسسات الدولة المعنية، أو مؤسسات المجتمع المدني، وهي استثناء لأنها قبلة المسلمين، وفيها الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة، وهي استثناء لأنها تمتلك النفط الذي هو عصب الحياة المدنية النهضوية، وهي استثناء بتميز ثقافتها وحضارتها. وقال: "إن كل هذه "الاستثناءات" وغيرها كثير، لابد أن تواكبه قوة معرفية وإعلامية تتناسب ومكانة المملكة على المستويات الخليجية، والعربية، والإسلامية، والدولية، ووزارة الثقافة والإعلام -ممثلة في الإعلام الخارجي- هي الجهة المسؤولة عن تقديم الأوجه الحضارية المتعددة لهذا البلد العظيم"، مشيراً إلى أنها كانت -ولا تزال- تحاول أن تقوم بجزء من هذا الواجب، ولها جهود مشكورة في ذلك، ومع ذلك كله فإن أمامها مهمات كبيرة لا تزال تنتظرها، مبدياً تفهمه للمعوقات البيروقراطية التي تواجه وكالة الوزارة للإعلام الخارجي، والتي يرى بأنها تمنعها عن تنفيذ الكثير من برامجها. عبدالله الشمري وأضاف: أتوجه برسالة إلى المسؤولين في الدولة أن يمنحوا هذه الجهة تسهيلات إدارية ومالية لتؤدي واجبها، وأن لا ينظروا إلى هذا الجهاز باعتباره جهازاً حكومياً مثله مثل باقي الأجهزة الحكومية الأخرى، مؤكداً على أنه لابد أن يحظى بعناية ورعاية واهتمام أكبر مما هو عليه الآن؛ فهو واجهة هذه البلاد، وقد تأكد دوره في مواجهة ما ينشر من تقارير مغلوطة في الشرق والغرب عن حضارة المملكة، والمجتمع السعودي. وأشار إلى أن الحرب الإعلامية التي يواجهها المجتمع من جهات خارجية متعددة هي حرب شرسة ومتتابعة تعجز عن مواجهتها قدرات وكالة الوزارة للإعلام الخارجي؛ إذا لم تتوافر لها الكوادر المؤهلة، والسيولة المالية المتدفقة، وإلاّ سنبقى مجتمعاً سلبياً في التعاطي مع هذا الكم المعرفي الهائل الذي يستهدف تشويه صورة المملكة وثقافتها وأهلها. خالد الفاخري الصورة الذهنية ويتفق معه "عبد الله الشمري" -خبير الإعلام الدولي-، مؤكداً على أهمية دور الإعلام الخارجي في نقل الصورة الصحيحة عن المملكة، وتمثيلها بالآليات التي تخدم نقل ما يحدث في الداخل بالصورة الحقيقية، خاصة أن هناك بعض التجاوزات الشخصية التي قد تصدر من بعض أفراد المؤسسات ويتم تضخيمها واستخدامها ضد المملكة، كذلك إجراءات التقاضي البطيئة أحياناً، موضحا أن هناك الكثير من الأمور التي تحدث داخل المملكة يتم الاستفادة منها لتثبيت بعض الأفكار عنها. وقال:"بحكم ثورة الاتصالات الحديثة؛ فإن أي تصرف سيء أصبح ينقل ويعمم عبر وسائل الإعلام، محملاً الشباب المسافر لخارج المملكة المسؤولية في ذلك، حيث أن سلوكيات بعض الشباب في بعض الدول العربية والأجنبية يتم استغلالها للإساءة للمملكة أيضاً". مسؤولية مشتركة وعلى الرغم من ذلك فهو يشاطر "د.البشر" رأيه في قيام وكالة الإعلام الخارجي بدورها، حيث يرى أن معظم المعارض نجح في تحقيق أهدافه وبعضها لم ينجح؛ ربما بسبب سوء التوقيت وعدم التخطيط الجيد. وأضاف:"أعتقد أن وزارة الثقافة والإعلام نجحت في التواصل مع الإعلام الدولي، حيث تعتبر الوفود الإعلامية الدولية أحد أدوات التسويق الهامة على المستوى السياسي والدولي، وتم الاستفادة منها للتوجيه والتأثير وتوجيه الرسائل الإعلامية للمجتمعات الأخرى"، داعياً إلى إنشاء المراكز والدراسات البحثية داخل جامعاتنا ومؤسسات المجتمع المدني؛ لتقوم بإصدار تقارير محلية ودولية تخص جميع القضايا التي يتم تدوالها والتي يتم التركيز عليها. أ.د. محمد البشر محاورة الذات! وعلق "د.البشر" على هذا المقترح، قائلاً: "لو تأملنا واقعنا المحلي في قضية وجود مراكز بحثية تُعنى بمخاطبة الآخر؛ لوجدناه واقع مرير مع الأسف الشديد، حيث يحدث هذا ونحن نملك العقول القادرة والقدرات المفكرة، ونملك المال الذي يمكن أن يستثمر في هذه العقول؛ لينتج حراكاً علمياً وثقافياً يحسب للوطن". وأضاف: "لا نزال نحاور ذواتنا، ونتحدث لأنفسنا، ونكتب بلغتنا، ونتباهى بذلك كله أمام المسؤولين ووسائل الإعلام ليكون لنا حضوراً في الساحة المحلية فقط، هذه هي الحقيقة حتى وإن حاولنا تجاهلها"، مؤكداً على أن حاجتنا الكبيرة اليوم في أن تضطلع مراكز البحث في جامعتنا إلى تصدير ثقافتنا وتقديم حضارتنا، وأن نركض حثيثا لنقدم أنفسنا للعالم بلغاته المختلفة، وما نحتاجه اليوم هو الإنفاق على مراكز البحوث والدراسات بسخاء، وما نحتاجه هو أن تخصص الدولة ميزانيات مستقلة لمراكز البحوث في الجامعات التي تتوجه برسالتها إلى الآخر الأجنبي. إنشاء مراكز دراسات وبحوث وثمّن "الشمري" رأي "د. البشر" بضرورة إنشاء مراكز دراسات وبحوث في جامعاتنا، إلاّ أنه يرى أنه حتى يتم ذلك؛ فإن المسؤولية في إصدار تلك الدراسات بيد مؤسسات المجتمع المدني. وقال: "إن هيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان يصدران تقارير دورية، وتحمل أعلى درجات الشفافية والمصداقية، والجميع يشهد أن تقارير الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان خاصة حظيت باهتمام دولي، وكانت أفضل وسيله لإثبات صدقيه الجمعية، وقطع الطريق أمام أي جهات دوليه للإساءة للمملكة". دور رجال الأعمال ودعا "د.البشر" رجال الأعمال وأهل اليسار لتقديم شيئاً لهذا الوطن الذي له حق عليهم. وقال:"عليهم أن يقدموا شيئاً من أموالهم لدعم المراكز البحثية التي تقدم رسالة الإسلام والمملكة، فهذا هو الوعي الحضاري المطلوب، والواجب الوطني المتحتم"، مشيراً إلى أن الدول المتقدمة لم تبلغ ما بلغت إلاّ بعنايتها بمثل هذه المراكز العلمية والبحثية، وإننا نرى في كل يوم ما يقدمه الأثرياء ورجال الأعمال إلى المؤسسات العلمية والمراكز البحثية في دولهم كجزء من رسالتهم تجاه مجتمعهم، ولسنا بأقل منهم في ذلك، بل نزيد عليهم بأن ما يقدمه المخلصون هو جزء من رسالتهم تجاه دينهم وثقافتهم وحضارتهم التي جعلتهم في مكان "الاستثناء" من غيرهم. د.البشر:لا نزال نحاور ذواتنا ونتحدث لأنفسنا ونكتب بلغتنا ونتباهى بذلك أمام المسؤولين! في حين تمنى "الشمري" أن يتم توجيه الطلبة المبتعثين، وتكثيف المشاركة في الندوات وحلقات الدراسات التي تعقد في الجامعات التي يدرسوا فيها؛ للحديث عن بلادهم دون المبالغة، والتأكيد دائماً على أننا كالشعوب الأخرى لدينا مشاكل وعوائق نسعى بشكل دائم لإيجاد حلول لها.. إصلاحات شاملة وأكد "خالد الفاخري" -المستشار القانوني وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان- على حرص القيادة على حقوق المواطنين والمقيمين على أراضيها، وهو ما انعكس على إعادة انتخاب المملكة في مجلس حقوق الإنسان والذي يشير إلى التقدم الملحوظ في مجال حقوق الإنسان في بلادنا، ونحن على ثقة باستمرارية هذه الإصلاحات، كما أن المطلع على الأنظمة المعمول بها في المملكة يلحظ إنهاء تكفل الحقوق للجميع ولضمان استمرار هذا الحراك الحقوقي نتطلع. الشمري: نفتقد مراكز دراسات وأبحاث في الجامعات لنقل رسالة المملكة إلى العالم خطة خماسية وقدّم "الفاخري" نماذجاً لأهم القضايا الهامة التي لابد من إيجاد حلول ومعالجة لها، والمتمثلة في التالي: العمل على إصدار لائحة تنظيم عمل خدم المنازل والتي لم تصدر حتى الآن، حيث أن عدم صدور اللائحة أدى إلى بعض التجاوزات الفردية لعدم معرفة أطراف العلاقة (رب عمل، عامل) لحقوقهم وواجباتهم؛ مما أدى وجود حالات فردية تصفها بعض التقارير الدولية بأنها انتهاكات في المجتمع ككل، وثانياً: العمل على إصدار نظام للأحوال الشخصية، حيث أن مثل هذا النظام سيكون له اثر بالغ في تنظيم كثير من شؤون وأوضاع المرأة، وثالثاً: إعادة النظر في الوضع الحالي للكفالة، والعمل على تعديله أو إيجاد بديل عنه، بما يضمن حقوق أطراف العلاقة العمالية، ورابعاً: ضرورة صدور اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية، وخامساً: ضرورة وجود تقنين للأحكام القضائية وفق أحكام الشريعة الإسلامية والسوابق القضائية. الفاخري: نحتاج إلى أنظمة «خدم المنازل» و«الأحوال الشخصية» و«الكفالة» و«الإجراءات الجزائية» و«تقنين الأحكام» دراسة التقارير وأضاف: "آمل من الجهات المعنية في المملكة الحرص على دراسة التقارير الدولية الصادرة عن المملكة، والتحقق من مصداقية ما احتوت عليه من سلبيات لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية والعمل على معالجتها، كما آمل وضع خطة وطنية؛ تهدف لإبراز جهود المملكة في حماية حقوق الإنسان -خاصة في المحافل الدولية -، وتدريب العاملين في القطاعات الحكومية والمعنيين بهذا الأمر على كيفية إبراز هذه الجهود، وعدم الركون فقط للدفاع عما يوجه من انتقادات، وأخيرا آمل تنظيم زيارات دورية لمنسوبي الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لزيارة المملكة؛ للاطلاع على وضع حقوق الإنسان في المملكة عن قرب، مما له اثر في تغيير الصورة المغلوطة. مقترحات وتوصيات.. خرجت "تحقيقات الرياض" المنشورة على مدى أربع حلقات حول التقارير الدولية المغلوطة عن المملكة؛ بجملة من التوصيات والمقترحات التي نضعها أمام "صاحب القرار" لاتخاذ ما يمكن تطبيقه، وهي: - بناء إستراتيجية واضحة للرد والتصحيح، ومن يتولى عملية الرد من الجهات الحكومية؛ دون أن يكون هناك تضارب بين هذه الجهات في المواقف والتوجهات والمعلومات. - تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني لنقل الصورة واضحة، وتحديد مهامها، وحدود دورها، وتنسيق جهودها مع الجهات الحكومية عند إصدار تقارير محلية أودولية تخص بعض القضايا. - إنشاء مراكز للدراسات والبحوث في الجامعات لنقل رسالة المملكة إلى العالم. - تبني مشروع إعلامي خارجي يعتمد على أسلوبي الإقناع والشفافية أمام الرأي العالمي. - التواصل مع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وتبادل الزيارات معها، وفتح المجال أمامها لكتابة التقارير من الواقع؛ دون الاعتماد على مصادر غير موثوقة. - التواصل مع مراكز الدراسات والرأي العام العالمية، وعدم تجاهل آرائها، ومواقفها. - دعم السفارات والهيئة العليا للسياحة ووكالة وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الخارجي للقيام ب"مهمة التنوير" في الخارج، واستقبال الوفود السياحية، وتسهيل مهمة تنقلاتهم. - نحتاج إلى أنظمة "خدم المنازل" و"الأحوال الشخصية" و"الكفالة" و"الإجراءات الجزائية" و"تقنين الأحكام" - تقوية الحصانة الذاتية لدى المواطن، من خلال تأسيس برامج تعزيز قيم المواطنة والحفاظ على الصورة الذهنية للمجتمع.