استخرج جورج دا سيلفا نملة عملاقة من باطن الأرض الطينية ونتف جناحيها وسيقانها وفكها وقذف بها إلى داخل فمه كما لو كانت حبة من الفشار. وقال دا سيلفا (58 عاما) وهو يطحن النملة بأسنانه بصوت مسموع،" مذاقها كمذاق النعناع". ويتجول داسيلفا بين الهضاب في بلدته سيلفيراس التي تؤوي 6000 نسمة وهو يرتدي حذاء (بوت) من المطاط ويحمل سطلا من البلاستيك بحثا عن وجبة شهية تشتهر بين سكان بلدته وهي "ملكات النمل". وتعمل الأمطار في أشهر الخريف على إخراج النمل من جحوره. وفي هذا الموسم تصبح سيلفيراس مقصدا لاصطياد النمل. ويهب السكان زرافات ووحدانا لجمع النمل وتنظيفه وتجميده في قوارير بقصد استهلاكه لحين حلول موسم الجمع التالي. غير أن غنائم النمل في هذا الموسم كانت صغيرة على غير العادة إذ تقلصت أعداده بصورة كبيرة. ويقول السكان والمسؤولون المحليون إن السبب الرئيس وراء هذا هو المبيدات التي تستخدم في رش أشجار الاوكاليبتوس التي تزرع أساسا لإنتاج السلولوز اللازم لصناعة الورق. وظلت أجيال من السكان المحليين يتعاملون مع النمل كبديل للبروتين الذي يستمدونه من لحوم الأسماك والقردة. ويثمن سكان سيلفيراس ومعهم الأشخاص الذين يقودون سياراتهم لمسافة مئات الأميال كل عام لشراء النمل هذه الحشرات ليس فقط لما تحتويه من بروتين بل أيضا كمقوي جنسي وكمصدر طبيعي للمضادات الحيوية. ويحافظ سكان هذه البلدة الواقعة على بعد 190 ميلا من ساوباولو على تقليد محلي ضارب في القدم يتمثل في طبخ النمل وتقديمه ضمن الأطباق البرازيلية التقليدية. ولا يشبه هذا النمل ذلك النوع العادي الذي يتجمع حول مخلفات السكر ولكنها كبيرة الحجم وقد يصل طول الواحدة منها إلى بوصة كاملة علاوة على أنها تعض بشراسة. غير أن تغيير المنظر الطبيعي للأرض يعني أن النمل بات مهددا بالانقراض، خاصة بعد أن صارت أشجار الاوكاليبتوس نعمة كبيرة لملاك الأراضي في سيلفيراس التي فقدت مكانتها كمنتج رئيس للبن والمواشي والتي بلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة في الماضي. ولم يسع ما تبقى من سكان محليين إلى تحويل النمل إلى استثمار تجاري، إذ ينصب جل اهتمامهم حاليا على المحافظة على تقليد أكل النمل، على نقيض ما يحدث في شمالي كولومبيا، حيث يقوم السكان بتصدير النمل إلى فرنسا وبريطانيا ودول أخرى، حيث يتم غمسها بالشوكولاته. ويقوم دا سيلفا بتعليم الأطفال كيفية اصطياد النمل، حيث يلتقط هذه الحشرات واحدة إثر أخرى بيده العارية ويلقي بها في السطل. وفي معظم الأحيان تتعرض يد دا سيلفا إلى العض إلى حد الإدماء. ويقوم صائدو النمل ببيعه إلى المطاعم المحلية، حيث يقدم للزبائن مقليا. ويباع الطبق الواحد الذي يكفي لشخصين بمبلغ 12 دولارا. ويحرص معظم سكان البلدة على حماية النمل من الانقراض وينادون بنقل تقليد أكل النمل إلى الأجيال اللاحقة. ويتزعم هذا الاتجاه ألير دوارتي رئيس مجلس البلدية، حيث يقترح قصر زراعة أشجار الاوكاليبتوس على مناطق محددة لتمكين النمل من التكاثر. ويضيف دوارتي الذي ترعرع على عادة أكل النمل نيئاً،" ينبغي علينا المحافظة على ما لدينا من نمل هنا. ويقول الناس أن هناك الكثير من النمل في المقابر لأنه يقتات على أدمغة الموتى ولكن هذه إشاعة."غير أن دوارتي يعترف بأنه لم يتحل بالشجاعة قط لزيارة المقابر للتأكد من صحتها.