صرح الفنان ملحم بركات: "كل من يغني بغير لهجته هو خائن لوطنه". ويضع تساؤلين حيال غناء الفنانين في لبنان للهجة غير اللبنانية كالمصرية «إذا غنّى اللبنانيون باللهجة المصرية... فأين يكون التنافس؟»، وأما بالنسبة للخليجية فيقول: "كيف يعشق الخليجيون أغنيات السيدة فيروز مثلاً وهم لا يتقنون اللهجة اللبنانية؟". إثر هذه التصريحات ظهر تحقيق صحفي: "الفنانون اللبنانيّون يغنّون بالمصريّة والخليجيّة.. بين مؤيّد ومعارض" أعده الزميل ربيع عواد نشر في جريدة الجريدة الكويتية مع مجموعة من الحناجر اللبنانية المتنوعة في غنائها ما بين الوقوف على اللهجة اللبنانية عند نجوى كرم وجوزف عطية بينما هناك من عرف باللهجة المصرية مثل وليد توفيق ووائل جسار وهناك المزدوج بين اللبنانية والمصرية مثل أليسا وأمل حجازي فيما أضاف اللهجة الخليجية مثل نوال الزغبي ومادلين مطر وميريام فارس ونانسي عجرم. وأضيف في التحقيق نفسه تصريح للشاعر اللبناني نزار فرنسيس ليس ببعيد عن تصريح الفنان بركات، وكان إجابة لأسئلة في أحد حواراته الصحافية: «المؤسف أن ثمة فنانين لبنانيين اليوم يتخلون عن هويتهم الفنية اللبنانية إرضاء للجمهور العربي، ثم من قال إن هذا الأخير لا يرضى إلا أن نغني بلهجته؟ عار علينا أن نعتمد غير لهجتنا ليتقبلنا الجمهور العربي! لن نتنازل عن لهجتنا. في رأيي، الفنانون اللبنانيون الذين يغنون بغير لهجتهم بنسبة تفوق أغانيهم اللبنانية هم «خونة». ويذكر أيضاً الشاعر فرنسيس: «لست ضد الأغاني باللهجات الأخرى التي أستمع إليها أحياناً وأنا مع التنويع لكن ضمن احترام اللهجة الأم. فهل يعقل أن يصدر فنان لبناني ألبوماً يتضمن 8 أغانٍ باللهجة المصرية وأغنية واحدة باللبنانية؟ أعتبر ذلك قلة احترام الفنان لبلده وللشعب اللبناني... هل يخسر أهل بلده ليرضي سبعة ملايين أو ثمانية ملايين شخص ينتمون إلى جنسيات مختلفة؟». هل هي مشكلة الغناء بغير اللهجة المحلية ؟ هل نعرف أن كل بلد عربي له أكثر من لهجة تتنوع حسب البيئة الجغرافية ؟ فيوجد على الأقل في كل بلد لهجة بدوية ( رعوية أو رحلية) أو ريفية ( سهلية أو جبلية ) ثم مدنية وفيها ( مدنية متريفة أو مدنية متبدية). ولكن قبل كل هذا لغة الغناء، وأقصد بها لغة آتية من متطلبات الصنعة الفنية للنص الشعري واللحني وطريقة الأداء والأسلوب الشخصي. فلو نظرنا إلى لغة فيروز الغنائية، وهي تحمل أكثر من لهجة داخل لغتها الغنائية، ينكشف رغم طغيان أسلوب صوتها ومناخاته أنها أدت أنماط غنائية عدة من داخل اللهجة اللبنانية من ريفية وبدوية ومدنية بالإضافة إلى الفصحى في الأعمال الدينية والسياسية والوطنية كذلك يمكن أن نرى في طلال مداح ذات الشأن فهو أدى مجموعة متنوعة من الأنماط الغنائية رغم أنه أدى كل من اللهجة الحجازية المدنية والحاراتية والنجدية البدوية والمدنية غير أن طابع صوته يعد بحد ذاته لهجة خاصة مثل فيروز ويماثلهما كل صوت عربي مثل: وردة وماجدة الرومي وهدى عبد الله وكارول سماحة. ولكن لو عدت إلى ملحم بركات، مع احترامي الكبير لصوته الرائع بالإضافة إلى تجربته، فإنني أرى فيه بوصفه يمثل الجيل التالي لما بعد من صنعوا النهضة الثقافية في لبنان منتصف الخمسينيات في كل مجالات الفنون والآداب. ويعرف أن ما قبل هذه الفترة لم تكن لهجة الغناء الدارجة في الإذاعات الأهلية في بيروت ودمشق وفلسطين سوى الغناء باللهجة المصرية حيث أن الكثير من المغنيات والمغنين انتقلوا من لبنان إلى مصر الربع الأول من القرن العشرين ماري جبران ولور دكاش وفريد غصن وأسمهان وفريد الأطرش ونور الهدى وصباح وسعاد محمد ومحمد البكار وفيلمون وهبي ونصري شمس الدين ومحمد سلمان. ولم يتوقف هذا الأمر بل بقي في تواصل حتى ما بعد منتصف القرن العشرين حيث نرى ماجدة الرومي تذهب إلى مصر بعد انطلاقها من استوديو الفن عام 1974 كذلك لحقها وليد توفيق وراغب علامة وربيع الخولي. ولعل في أعمال ملحم بركات هذا التعدد في اللهجات الغنائية ما بين المصرية واللبنانية لكون يعد من جيل ليس منقطعاً عمن سبقوا كذلك متواصل مع من لحقوا. ولكن غضب ملحم بركات مبرر حيث يتعدى مسألة اللهجة إلى لعبة الماديات التي أهدرت حقوق الغناء على حساب إغراء التكالب على منابع الثروة!.