لا يمكن أن نقرأ التعميم الأخير للتلفزيون السعودي حول شروط تعميد مؤسسات إنتاج المسلسلات في رمضان المقبل من دون أن نتذكر سلسلة النقاشات والتقارير والمقالات والمواد الصحفية التي "شرّحت" موضوع التعميد خلال السنوات الأخيرة وصولاً إلى سقوط "ورقة التوت" الأخيرة مع تفجّر الجدل الفني بين المخرج عبدالخالق الغانم والممثل فايز المالكي؛ الذي اشتعلت شرارته الأولى من هنا (ثقافة اليوم)؛ ليتم تداول القضية لاحقاً في وسائل الإعلام المحلية والعربية. وتحديداً عندما تََبين من حوار المخرج الغانم مع "الرياض"؛ أن ثمة غياب واضح للشفافية فيما يخص أجور العاملين في المسلسل الرمضاني "سكتم بكتم"؛ من المخرج وصولاً إلى الكومبارس بحسب الحوار الذي أوضح أيضاً عدم صحة تصريح قديم لمنتج المسلسل قال فيه إن المخرج الغانم تسلم منه مليون ونصف المليون ريال أجراً مقابل إخراج المسلسل، في حين أن الغانم لم يستلم في الواقع سوى خمسمائة وخمسين ألف ريال. من هنا نقرأ ولادة الشرط الثالث في التعميم الأخير الذي نشرته الرياض أول أمس، الذي يشير إلى و"جوب تحديد أسماء الممثلين الأبطال وبقية الممثلين الرئيسين من قبل المؤسسة المنتجة؛ حيث لا يتم التعميد إلا بالموافقة من قبل التلفزيون على هذه الأسماء المرشحة مع التزام هذه الأسماء وأخذ الموافقة الرسمية والخطية من قبل الممثلين على الاشتراك في العمل". وهو ما يعني أن التلفزيون سوف يدقق في مسألة الأسماء الرئيسية في العمل وبالتالي الأجور لكي يرصد ميزانية معقولة ومنصفة للجميع؛ بعد الفوضى التي اجتاحت بيئة الإنتاج الدرامي المحلي؛ فليس من باب العلم بالغيب ولا كشف الأسرار، عندما نقول: إن ثمة ذهنية ما تقود عملية الإنتاج الدرامي المحلي هي أقرب لذهنية استقدام الخادمات الآسيويات ومؤسسات المقاولات العامة والبناء من أن تكون ذهنية فنية، (لا أستثني أحداً) فبالنسبة لمنتج المسلسل المحلي، ممثلاً كان أو مخرجاً أو صاحب رأس مال، فهو لا يفكر إلا في ابتلاع كعكة التعميد ولتذهب الدراما والمستوى الفني إلى الجحيم. ضارباً بعرض الحائط المعنى الأسمى للفن الدرامي وهو أن هذا الفن يمثل أيضاً؛ مستوى تطور المجتمع من الوجهةِ الإبداعية والثقافية والحضارية، ومدى مواكبة هذا المجتمع بصرياً ودراميا لما يقدم في المحيط الخليجي والعربي والعالم. ومن هنا جاءت شروط الجودة الفنية في التعميم الأخير التي تطلب من المنتجين؛ "أن يحددوا نوعية الكاميرات المراد بها تصوير المسلسل؛ في أن لا يقل مستواها عن HD بطريقة التصوير السينمائي"؛ بعد عرض أعمال درامية بمستوى تقني يذكرنا بمسلسلات بداية التلفزيون الملون! وفي أحسن الأحول، مسلسلات الثمانينيات والتسعينيات. وهو ما دفع التلفزيون إلى إعلانِ شرط ثانٍ يلزم المنتج تحديد اسم المخرج مسبقاً "وهو شرطٌ - يُفترض - أن يقطع الطريق أمام سماسرة الدراما المحلية؛ الذين يُقْدمون عادة على جلب مخرجين عرب مغمورين ومن دون المستوى الفني ويتركونهم يتعلمون "الحلاقة" على رؤوس الممثلين الجدد!؛ عوض من اكتساب الخبرة بالتعاقد مع مخرجي الصف الأول في الدراما العربية. وأخيراً ليس لنا إلا أن ندرج هذا التعميم في سياق عملية تصحيحية لمسار الإنتاج الدرامي على أن يلحقها بنود مبادرات مهنية، تنحاز أولاً، لفن الدراما التلفزيونية ولاشيء غيره!.