شهدت تربية وتعليم المعوقين في المملكة العربية السعودية تطوراً ملحوظاً خلال الثلاثة عقود الماضية. ولم يكن هذا التطور في تربية وتعليم المعوقين وليد الصدفة، ولكن بفضل الدعم المادي والمعنوي اللامحدود من قبل ولاة الأمر -يحفظهم الله-، فقد اشتملت سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية (1390ه ) على عدد من الأسس والثوابت المرتبطة بمجال التربية الخاصة- ومنها على سبيل المثال -حقوق المعوقين في التعليم والرعاية والتشجيع حسب قدراتهم وطاقاتهم. كما سعت وزارة التعليم العالي مشكورة بافتتاح أول قسم للتربية الخاصة بجامعة الملك سعود بالرياض في عام 1404/1405ه، كأول قسم في العالم العربي، وذلك بهدف إعداد الكوادر الوطنية من معلمين ومعلمات في مجال التربية الخاصة على مستوى البكالوريوس. وقد بلغ عدد أقسام التربية الخاصة في الوقت الحالي ستة عشر قسماً في الكليات والجامعات السعودية. لكن وزارة التعليم العالي قد افتتحت هذه الأقسام دون تخطيط علمي مدروس مركزة على الكم دون الكيف، وذلك للأسباب التالية: 1-المناهج والخطط الدراسية في التربية الخاصة: تركز أقسام التربية الخاصة في خططها ومناهجها على خطة عامة في جميع مواد التربية الخاصة، ومن ثم التركيز على مسار –تخصصي-كالإعاقة السمعية، والإعاقة العقلية، وإعاقات التعلم، وغيرها. لكن خطط البكالوريوس في التربية الخاصة في مجملها عبارة عن خطط غير موضوعية تفتقر إلى إعداد وتأهيل الطالب في المواد الأكاديمية كاللغة العربية، والرياضيات، وغيرهما. فما هي أهمية أن يعرف الطالب أسباب وخصائص واحتياجات المعوق وغيرها؟، لكنه في المقابل لم يعد بالشكل المناسب لتدريس هذه المواد للمعوق؟ 2-أعضاء هيئة التدريس في أقسام التربية الخاصة: الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس في أقسام التربية الخاصة غير متخصصين في التربية الخاصة فبعضهم متخصص في الصحة النفسية، وبعضهم الآخر تخصصاتهم علم النفس أو علم الاجتماع، والبعض الآخر فئات حائرة! لكن فلسفة أقسام التربية الخاصة في جامعاتنا تقوم على المسارات التخصصية- لكل عوق على حدة-. فكيف يمكن لعضو هيئة تدريس غير متخصص-على سبيل المثال- في مجال الصم أن يدرس لغة الإشارة؟ أو التقنيات السمعية للصم؟ أو متابعة طلاب التدريب الميداني؟ إن عدم إسناد المقررات في التربية الخاصة لمتخصصين في مجال- كل عوق على حدة- يترتب عليه إخفاق في إعداد معلمي التربية الخاصة، بل إخفاق في العملية التربوية والتعليمية برمتها لفلذات أكبادنا المعوقين بمختلف فئاتهم! 3- أقسام التربية الخاصة نسخة مقلدة لبعضها البعض: إن مناهج وخطط غالبية أقسام التربية الخاصة نسخه مقلدة لبعضها البعض! فأين الموهبة والإبداع في التعليم العالي، إذا كانت الخطط الدراسية في التربية الخاصة للجامعة في وسط المملكة هي نفس خطط الجامعة في شمال المملكة، أو شرقها، أو جنوبها!؟ 4-التدريب الميداني في التربية الخاصة: الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس في أقسام التربية الخاصة يتسابقون على تسجيل مقرر التدريب الميداني ضمن جداولهم الدراسية، وذلك بهدف الراحة والاستجمام! فمقرر التدريب الميداني تسند لمدير أو المشرف المقيم أو بوزارة التربية والتعليم، لكن عضو هيئة التدريس قد يغط في سبات عميق في برجه العاجي أو أنه يتابع بعض أعماله الشخصية في القطاع الخاص، بالإضافة إلى التعليم الموازي! أما طالب التدريب الميداني في التربية الخاصة فهو آخر اهتماماتهم! 5- ازدواجية المعايير في أقسام التربية الخاصة: تعتبر المدرسة العادية هي المكان التربوي المناسب للغالبية العظمى من التلاميذ المعوقين . فالغالبية العظمى من أقسام التربية الخاصة ينظرون داخل قاعاتهم الدراسية بدمج المعوقين داخل المدرسة العادية، لكنهم لا يسعون إلى فسح المجال لهؤلاء المعوقين من خلال إقناع المسئولين وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة لديهم عن ذوي الإعاقة بقبولهم داخل تلك الجامعات! فكما هو معلوم أن المدرسة أو الجامعة أو غيرهما هي عبارة عن مؤسسات اجتماعية وجدت لخدمة أبناء الوطن بمختلف فئاتهم وخصائصهم، وذلك لاستثمار قدراتهم وطاقاتهم المختلفة وتنميتها، وليس إغلاقها في وجوههم بحجج واهية! 6-العشوائية في افتتاح أقسام التربية الخاصة: لقد افتتحت وزارة التعليم العالي أقسام التربية الخاصة بالقرب من بعضها البعض، دون النظر للعوامل الجغرافية لهذه، والتركيبة السكانية. فأين التخطيط في وزارة التعليم العالي؟ وكم نسبة المعوقين في المملكة حتى يفتح هذا الكم من أقسام التربية الخاصة؟ إن إعادة هيكلة أقسام التربية الخاصة لمناهجها وخططها الدراسية بما فيها إقصاء أعضاء هيئة التدريس غير المتخصصين في مجال التربية الخاصة سيساهم-بإذن الله- في إعداد كوادر وطنية متخصصة ستساهم في استثمار الطاقات الكامنة لذوي الإعاقة، وبالتالي الرفع من مستوى العملية التربوية والتعليمية لهم، لكن يبقى الأمل في المولى عز وجل ثم بمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم في إعادة تأهيل الغالبية العظمى من خريجي أقسام التربية الخاصة العاملين في الميدان التربوي، كما يظل الأمل قائماً بمشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي في إعداد كوادر وطنية على مستوى عالٍ للعمل في أقسام التربية الخاصة في جامعاتنا السعودية.