من البحوث المتميزة والأكثر ثراءً وإثراءً في مجال المرور بحث " تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادة السيارات بالمملكة " تمويل ونشر إدارة البحث العلمي في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية قام به كل من الدكتور عبدالله النافع آل شارع والدكتور خالد بن عبدالرحمن السيف. أقول بكل صدق إنني أعتبر هذا البحث مرجعاً هاماً للباحثين والدارسين وحتى المخططين في جهاز المرور. من ضمن الأسس التي قد لا يعرفها البعض في سلوك السائقين حكاية نمط إدراك السائقين أو طريقتهم في الإدراك. وهذه السمة كما ورد تبيانها في البحث ذات قيمة كبيرة في بناء شخصيّة السائق وهي الإدراك السطحي مقابل الإدراك الثاقب. تمت الإشارة لبحث رزستراتن (1982) الذي ذكر بأن الإدراك السطحي كانت له علاقة بتكرار حوادث السيارات أكثر مما يتعلق بها الإدراك الثاقب. حيث إن السائقين سطحيي الإدراك أبطأ في اكتشاف وتعرف المواقف الخطرة من رؤيتهم لملامحها، كما أن خطط هؤلاء في السير على الطرق السريعة وإستراتيجياتهم تتصف بالسوء والرعونة. بعكس أصحاب الإدراك الثاقب الذين يتميزون بمكنوز من المهارات في القيادة بما فيها معرفة مكامن الخطورة ومحاولة تجنب الوقوع في الأخطاء بكل وعي ومعرفة. السؤال : لنفترض قيام مراكز منح رخص القيادة بوضع معايير علمية لقياس مستويات الإدراك لدى السائقين، فكم ستكون نسبة أصحاب الإدراك السطحي مقارنة بأصحاب الإدراك الثاقب ؟؟ لستُ متشائماً بطبعي ولكن بحكم عملي السابق بجهاز المرور واطلاعي على ملفات كثيرة لحوادث عجيبة وقعت في بلادنا تجعلني أُعطي حكماً لا أشكّ فيه بأن نسبة أصحاب الإدراك السطحي أكثر بكثير من أصحاب الإدراك الثاقب. أُدلل على حُكمي هذا أيضا من خلال قراءة الأرقام المُفزعة لعدد القتلى والمصابين جرّاء حوادث السيارات. إننا أيها السادة نُشيّع للقبور أكثر من ستة آلاف قتيل كل 12شهرا. وتغص أسرّة المستشفيات والمراكز الطبيّة بأكثر من 30الف مصاب لنفس الفترة. فهل يمكن بعد هذا أن يأتي من يقول إن الحكم على النسبة الكُبرى من السائقين بأن إدراكهم سطحي حُكم ظالم ؟؟ نعم لحُكم القَدَرْ، ولكن لكل شيء يدور في هذا الكون سبباً. يقول مكيافيللي إن القدر يتحكّم بأكثر من نصف أعمالنا ونحن نُدير الباقي. في الخاتمة أسأل: هل يُعتبر صاحب الإدراك السطحي- وهو يقع في الحوادث ويشارك بها- غير مؤهل لقيادة السيارات، وهل سيكشف (ساهر) مُستقبلاً هذا النوع من المخالفات؟؟