أقمتُ في الهند دارسا في قسم داخلي خلال تعليمي المتوسط حتى قررت الحكومة السعودية – آنذاك – سحب الدارسين دون الجامعة ، وهيأت قسما داخليا في جدة واستقبلت الدارسين لمواصلة الثانوية . موجب هذا القول أن الlعيشة في الهند جعلتني أجزم ببعض المعلومات التي سأطرحها. تلك هي اللامركزية التي تتمتع بها الدولة، فلكل مقاطعة حكومة ووزراء ورئاسة وزراء . وليس للمقاطعات اتصال مع العاصمة دلهي إلا في أمور تتعلق بالدفاع والخارجية. فكل ولاية مستقلة طرقا وتعليما وصحة وبيئة ومناهج جامعية ومباني دولة وإدارة غابات، وتقريبا كل شيء له مجلس محلي مُنتخب، ولا دخل للعاصمة به . وكل منطقة لها الخيار في اختيار اللغة التي تُدرّس إجباريا أو اختياريا وكذا نوع العلوم الزراعية ( حسب المحاصيل المعروفة بها في المنطقة ). إلى جانب هذا كله فالوطنية صفة عامة، فقد تجد وزيرا مركزيا من هذه الولاية، أو سفيرا من ولاية أُخرى، وكل ذلك حسب المقدرة والخبرة والكفاءة . ولست أدعي الإلمام الكامل في شؤون المملكة المتحدة ( بريطانيا ) لكنني عشت هناك شطرا من حياتي أثناء عملي في الملحقية التعليمية، وعرفت أن مقاطعة ويلز ، لا ترتبط بلندن إلا بأمور سيادية أو عسكرية ( دفاعية ) . وفي مقاطعة ويلز يُدرّسون لغتهم الأصلية ( الويلش ) وفي أيرلندا يُرسون ( الغيليك ) لغة المرتفعات الشمالية . وفي أمريكا عمدت بعض المقاطعات إلى إدخال لغة الهنود الحمر ! ، ووجدتْ من يلتحق بالصفوف ، وموّل المجلس المحلي هذا التوجه دون الرجوع إلى واشنطن. أقول، وآمل أن لا يستفز قولي مخالفا، إن المثل الدارج " أهل مكة أدرى بشعابها" هو النهج المطبق في دول العالم المتقدم الآن . فالهند تدخل عالم تصنيع المحرك النفاث والنادي النووي. ولم نعد بحاجة إلى القول إن أُمما كانت تتعثر في الظلمات أصبحت الآن تلمع كالنجوم في مقدمة مواكب العلم والتحضّر. وينطبق المثل على دول أوروبية كثيرة . وأجد نفسي مع الكثير ممن يؤمنون بأن مركزية الإدارة هي أحد أسباب ضعف العالم الإسلامي عامة، وأقطاره العربية خاصة . ولابد من أخذ العلاج الصحيح. فالمركزية تُشغل قادة الدول بالصغير من الأمور وتترك الجليل منها لأزمنة لاحقة، عندما تأتي يكون الوقت قد تغيّر. وندخل مرغمين ضمن ثقافة " لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد ... أجّله إلى ما بعد غد ! . أو نتدحرج من قول : راجعنا بكرة .. ! إلى : راجعنا بعد بكرة .