«لي كوان يو» حكيم سنغافورة ومؤسس نهضتها الحديثة، والجار لبلاد «مهاتير محمد» زعيم الإصلاح في ماليزيا، و«وينج هيسيا وبنج» مفجر نهضة الصين العظمى، ورجب طيب أردوغان راسم خطط الاستراتيجية المتطورة لتركيا، و«لويس لولا» الرئيس البرازيلي المنتهية ولايته والذي أخرج سكان الصفيح إلىالدورة الاقتصادية التي جعلت من بلاده تابعا إلى متبوع، وأكبر قوة اقتصادية في الجنوب الأمريكي، ثم الزعيم الهندي «مان موهان سنج» الذي حول بلاده لتكون قطباً قادماً في الاقتصاد وأعلى خبراء البرمجيات في العالم، إلى جانب الخطط الهائلة لبلد يخرج من الفقر إلى دورة في أفلاك القوى العظمى كعضو عامل ومؤثر فيه.. جميع هذه الزعامات التاريخية، لم تكن نتاج بطولات عسكرية، أو جاءوا بانقلابات أوصلتهم لتلك الكراسي المتقدمة في دولهم، بل البعض جاء من ترشيح الحزب أو انتخابات قانونية من خلال أصوات شعبية كافأتها تلك القيادات بأن أخرجتها من أحزمة الفقر والقهر وقمع الحريات والفساد الاقتصادي والإداري، إلى أدوار فاعلة في بلدانهم أعطتهم شهادات التفوق، والغريب أن هذه الدول قبل عدة عقود كانت تقع في حزام العالم الثالث لتنتقل للعالم الثاني، فالأول دون أن تفقد هوياتها الوطنية والقومية، وهي دلالات أن القيادات الإصلاحية، إذا ما بادرت برفع مستويات شعوبها علمياً وفكرياً واحترمت كرامتهم، فإن العبور إلى عالم المعرفة والصناعة لا يحتاج إلا لإرادة تستجيب للتحدي وتخرج منه بقوائم الإنجازات العظمى.. في وطننا العربي، وقبل أن تكون الدبابة شعار الحرية والتحرر بأسماء مستعارة لمجاميع الضباط، كان الاقتصاد الوطني ينمو بشكل متصاعد، وكانت الأحزاب والبرلمانات والمحاكم ورجال الثقافة وأساتذة الجامعات يوضعون على قائمة التأثير الاجتماعي، ولم تكن السجون إلا للمجرمين، ولم تصادر حرية كاتب أو نقابات عمال حين يتم الإضراب في المطالبة بتحسين الأجور، أو خفض أسعار السلع، أو توسيع اعتمادات الوظائف، لأن القوانين كانت الفيصل بين الدولة وخصومها.. فالدول الزراعية كانت فوائض إنتاجها من الثروات الغذائية تصدر إلى العديد من الدول، وكان المؤسسون للعلوم والثقافة وبناة البنوك والصناعات من أصحاب المواهب والثروات، هم نتاج تلاقح الثقافتين العربية مع الغربية، وكان هدف الإصلاح والاستثمارات الوطنية تأتي تلقائية، وبمبادرات من أشخاص عصاميين وطّنوا ثرواتهم في داخل بلدانهم.. الحاضر الراهن لا يحتاج إشهار قوائم الاتهامات، لأن الواقع أقوى من حروف التشبيه، حتى أن أفعال المستقبل معطلة بمراسيم تعتمد التوقف عند الماضي فقط، ولذلك لم تكن خيبات الأمل إلا مسلسلا لا تنتهي أحداثه، والقائمة طويلة في مشروع الهزيمة الذي يتجدد زعاماتها كل ساعة ويوم..