في صبيحة يوم الثلاثاء وبينما أنا متجه لمكتبي أدهشني منظر فتاة مكبلة بالحديد في أحد أروقة المستشفى كانت تمشي أمامي وبجانبها طاقم أمني من السجن فوقفت أترقبهم خطوة بخطوة دون ان يستشعروا بذلك فكانت تلك السجينة ترتقب بعينيها المارة وكأنها تبحث عن شيء ولا أدري ما هو السبب في ذلك! وبعدها انصرفت في حيرة من امري ولم يهدأ لي بال من ذلك الأمر!! بل قمت بالبحث عن كثب لعلي أجد سجينة لكي أعرف ما حالها!! وفي يوم من الأيام توصلت لمرادي ووجدت سجينة انقضت محكوميتها وتابت إلى الله فكانت لي الفرحة بها. وبعد المكاتبات معها اخبرتني بقصتها قائلة لي: (الحمد لله الذي هداني للإسلام وأنعم علي بعمل الطاعات والاحسان هي أول عبارة كتبتها السجينة أم فاطمة وقالت هذا اسم مستعار وليس بحقيقي حتى لا تفشي أمري وكتبت لي كلاما أحزنت به القلب ودمعت منها العين وحيرت به العقل فأصبحت في حيرة من أمري من كلامها. إنها تناشد كل من له شأن في أمرها وتقول مفتتحة قصتها (أنا فتاة سعودية وقد كتب الله على أني أصبحت في يوم من الأيام سجينة خلف القضبان: فكانت هي بدايتي مع هذا الصراع الذي يؤرقني بين الحين والآخر!! فكنت أخشى زيارة الطبيب في المستشفى العام! وهل تعلمون لماذا؟ دعوني أتكلم بصراحة! ولكن بشرط تعطوني الأمان). والأمان الذي أطلبه هو ان تدعوا لي بالثبات وان يتوب الله علي فيما سبق. ثم استطردت في حديثها كاتبة: في يوم من الأيام كانت السجانة تمسك بيدي وكنت اسألها أين عيادة السكر؟ وهل ممكن أعرفها؟ وهل هي في طريقنا للطبيب؟ وللأسف كان جوابها اسكتي انتي مريضة وتحتاجين لطبيب أمراض باطنة وغير ذلك فليس لكي حاجة. ولكن كنت الح عليها بالسؤال أين عيادة السكر؟ ولكنها لم تجب على سؤالي. فكررت السؤال مرات ومرات ولكن بدون جدوى. وعندما وصلت إلى الطبيب قال لي ما هي شكواك؟ فقلت له يا طبيب ان والدي شيخ كبير وأخشى ان أراه اليوم في مكان الانتظار وأنا في حالتي هذه مكبلة بالحديد! فلا أتملك نفسي من ذلك الموقف. وأنت تعلم ان الأب يرى بقلبه أكثر من عيونه. ألم تقرأ قصة يعقوب عليه السلام؟ وقوله بمعرفته ليوسف عليه السلام وهو لا يبصر قال تعالى: (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا ان تفندون) «يوسف 49» فقال الطبيب: لها لا عليك لا تحزني فالعيادة ليست قريبة منا. ثم قالت انني أناشد مدير المستشفى ان يجعل لنا عيادة خاصة بعيدة عن أنظار الناس أتعلم لماذا؟ لأني أمشي بحرج أمام أعين الناس وأنا مكبلة بالحديد! وأعلم أني أتحمل آلاما شديدة داخل السجن من أجل مجيئي للمستشفى وكل ذلك خوفاً من مشاهدة والدي بين المراجعين وهذا أمر بالطبع لا يرضيك. ثم قالت الحمد لله الذي هداني وتاب على قبل مماتي). وأما أنا فأقول نعم يحق لكل سجين وسجينة ان يوضع لهم عيادة خاصة بعيدة عن أنظار المراجعين ولها مدخل خاص بحيث يؤتى بالسجناء سواء رجالا أو نساء ويكشف عليهم الطبيب دون ان يراهم أحد. واسأل الله ان يستر علينا وعليهم. والله الموفق،،،