شرع البنك السعودي الهولندي أبوابه في 15 نوفمبر من عام 1926م، ليكتب بذلك أول سطور النشاط المصرفي في المملكة، وينصّب نفسه شاهداً حيّاً على سلسلة طويلة من الإنجازات ونقاط التحول التي غلّفت العصر الحديث للمملكة. فالبنك السعودي الهولندي ارتبطت مسيرته ومنعطفاته بالتطورات والقفزات التي سجّلتها المملكة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه. م.مبارك الخفرة المهندس مبارك الخفرة رئيس مجلس إدارة البنك السعودي الهولندي، يقلب صفحات مسيرة البنك بكل تجليّاتها، لينقلنا من عصر جنيه «الجورج» الذهبي وحتى عصر تدوير النقد في الحوار التالي: * حدّثنا عن بدايات البنك السعودي الهولندي، وماذا عن الظروف التي رافقت انطلاقة نشاطه كأول بنك في المملكة قبل نحو 84 عاماً؟ - ارتبطت بدايات البنك في المملكة بالأمانة العظيمة التي تشرفّت المملكة بحملها لخدمة أغراض رسالة الإسلام السمحاء، وتحديداً بفريضة الحج. وجاءت فكرة إنشاء البنك في عام 1922م كفرعٍ للشركة التجارية الهولندية في مدينة جدّة، لتسيير أمور الحجاج الآتين من الهند الشرقية. وبقيت الفكرة طي الأدراج حتى عام 1925م والذي ارتبط بدخول جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز مدينة جدّة، حيث كان له نظرة بعيدة المدى ويدرك أهمية وجود بنك في المدينة للمساهمة في تطوير البلاد ، فجاءت موافقته الكريمة على افتتاح فرع للشركة التجارية الهولندية في جدّة، وفي أكتوبر من عام 1926م قام جلالة المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز وزير الخارجية آنذاك بزيارة مقر الشركة في أمستردام، وبعدها بشهرٍ واحد شهدت المملكة إطلاق النشاط المصرفي عبر افتتاح أول بنك الذي كان عنوان مقرّه : جدّة، حارة الشام، بجوار القنصلية التركية. * ما هو أول نشاط مصرفي زاوله البنك عند إنشائه؟ - قام البنك في عام 1926 بالمساهمة في تمويل أول مختبر للبكتيريا من نوعه في المملكة والذي كان جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز قد أمر بإنشائه لمواجهة تفشي وباء الجدري ، ثم قام البنك في عام 1927 بتقديم الاحتياجات المصرفية لحجاج الهند الشرقية. كما أن وجود مكتب للصرافة في جدّة أسهم إلى حدّ كبير في مساعدة تجار المدينة لتيسير أنشطتهم في استيراد البضائع من مصر والهند. سيارة فورد التي مول البنك استيرادها في عام 1930. * ما هي أبرز العملات التي كان يتم تداولها في تلك الفترة؟ وماذا عن دور البنك في سكّ أول عملة سعودية؟ - العملات الورقية لم تكن متداولة آنذاك وكانت العملات الفضية والذهبية هي السائدة، وأبرزها الجنيه الإنجليزي الذهبي (جورج) والطائر النمساوي الفضي، إلى جانب المجيدي العثماني والروبية الهندية التي كانت عملة الحجاج الوافدين الرئيسية فيقومون باستبدالها بالجنيهات الذهبية من خلال الشركة. إلى أن جاء عام 1928م حيث أمر المغفور له الملك عبدالعزيز بسك الريال السعودي الفضي كأول عملة رسمية مستقلة للمملكة، والذي تشرّف فرع الشركة التجارية الهولندية بالمساهمة في تحقيق هذا الإنجاز من خلال تقديم المشورة للحكومة. وبقيت غالبية التعاملات التجارية والاقتصادية بين المملكة والعالم الخارجي تتم من خلال أوامر الحوالات المالية التي يتم دفعها واستبدالها بما يعادلها من الجنيه الذهبي (الجورج) ولم يتغير الوضع إلا بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي في عام 1952م التي طرحت الأوراق النقدية السعودية كخطوة تاريخية أسهمت في استقرار الاقتصاد وأنهت عصر العملات المعدنية. * هل معنى ذلك أنه وقبل تاريخ إنشاء مؤسسة النقد كان البنك يساهم في تولي بعض المهام التي أنيطت فيما بعد بالمؤسسة؟ - على اعتباره البنك الوحيد في المملكة آنذاك، فإن فرع الشركة التجارية الهولندية تشرّف بخدمة المملكة كمصرف مركزي، تحتفظ فيه الحكومة باحتياطي البلاد من الذهب، وتتولى تنفيذ الكثير من تعاملاتها المالية في ظل ازدهار التعاملات الاقتصادية للمملكة، لا سيما في ظل ظهور النفط ، حيث قام البنك في عام 1930 بتمويل استيراد سيارات فورد إلى المملكة، وفي عام 1933م أسهم في تنفيذ عملية استلام أول دفعة من ثمن النفط بموجب الاتفاقية التي أبرمتها المملكة مع شركة ستاندارد أويل لاستخراج النفط، كما قام البنك في عام 1945م بترتيب عملية استيراد ملايين الجنيهات الذهبية من الشركة التجارية الهولندية لصالح شركة أرامكو. * ما هي أبرز المحطّات التي شهدها البنك في توسيع شبكة فروعه وأنشطته؟ - تسارع خطى التطور والتنمية في المملكة، والمحفزات الاقتصادية التي بدأت بالظهور، دفعت البنك إلى توسيع نطاق خدماته وانتشاره، ففي عام 1931م تم افتتاح فرع له في مدينة مكةالمكرمة تحت إدارة السيد حسين العطاس رحمه الله. وفي عام 1954م افتتح البنك فرعين في الخبر والدمام، تبعتها بعد ذلك العديد من الخطوات حتى وصل عدد الفروع اليوم إلى 44 فرعاً تنتشر في مختلف المدن، فمن فرعٍ متواضع في حي الشامية بمدينة جدّة إلى شبكة واسعة من الفروع والمراكز الإقليمية ببُعدها الهندسي والمعماري الجذاب والتي تفرض نفسها اليوم كعلامات حضارية لافتة في كافة أنحاء المملكة. فرع البنك في مكةالمكرمة والذي تم افتتاحه في عام 1931. * يبدو أنّ لدى البنك علاقة وثيقة تجمعه بالرقم «1». ودعني أشير هنا إلى عام 1977م الذي كان نقطة تحول هامة في تاريخ البنك؟ - في هذا العام بدأت تتبلور فكرة سعودة فروع البنك في المملكة، وكان البنك السعودي الهولندي الذي تحوّل اسمه في تلك الفترة من فرع الشركة التجارية الهولندية إلى بنك هولندا العام أول البنوك الأجنبية في المملكة التي حوّلت النسبة العظمى من حقوق ملكيتها إلى ملكية سعودية لتدشّن بذلك الباب أمام بقية البنوك العاملة في المملكة للسير على خطاها، وانطلق البنك بهويته الجديدة الذي تولى رئاسة أول مجلس إدارة له السيد حسين العطّاس رحمه الله، وليبدأ بافتتاح فروع جديدة في كل من الرياض والجبيل ومكةالمكرمة والهفوف والمدينةالمنورة والقطيف وبقية مدن المملكة، في عهدٍ جديد للبنك شهد مراحل متلاحقة من التطور والتنوع في النشاطات المصرفية. * ماذا عن إسهام البنك في تمويل المشاريع التي تبنتها المملكة؟ - النشاط التمويلي للبنك يعد باكورة نشاطاته المصرفية في المملكة حين قام بالمساهمة في تمويل مختبر البكتيريا الذي أمر بإنشائه المغفور له الملك عبدالعزيز، ثم أعقبها بتمويل عملية استيراد سيارات فورد إلى المملكة، وأتم عمليات التمويل الخاصة بعددٍ لا حصر له من مشاريع البنى التحتية في المملكة والمشاريع الاقتصادية الأخرى، انطلاقاً من دوره كشريك أساسي في عملية التنمية على مختلف الأصعدة، حيث قدم البنك عام 1996م تمويلاً لشركة عربسات لمشروع القمرين الصناعيين عربسات A2 وعربسات B2 اللذان أسهما في إحداث نقلة نوعية لخدمات الاتصال في العالم العربي، ودخل البنك في التحالفات والتجمعات المصرفية لتقديم التمويل لعدد من المشاريع التنموية، ومن أبرزها قيادة البنك «كونسورتيوم» لتمويل مشروع جسر الجمرات الجديد في مكةالمكرمة بقيمة 1.5 مليار ريال. * يُحسب للبنك السعودي الهولندي أبرز البنوك السعودية التي ساهمت في «مكننة» العمل المصرفي، ماذا عن إنجازات البنك في مجال التقنية المصرفية؟ - يرتبط البنك بتاريخ عريق يعود أساسه لنحو 200 عام عندما تم تأسيس الشركة السعودية الهولندية على يد ملك هولندا في عام 1824م، ولعل هذه الخلفية أكسبته تجربة ثرية جعلته متحفّزاً نحو الابتكار والتطوير، ويمكن اكتشاف الإنجازات المتلاحقة التي حققها البنك خلال مسيرته في تطوير أدواته المصرفية على نحو مواكب لأرفع المعايير المصرفية العالمية. فمن عصر الكتابة بخط اليد، والتدوين وحفظ الملفات بالطرق التقليدية إلى عصر التقنية الرقمية المتطورة كان للبنك حضوره الفاعل فيه وبصماته الراسخة، وسعى إلى تطبيق أحدث الأنظمة المصرفية التي من شأنها إثراء بيئة العمل المصرفي في المملكة. منذ اعتماد الكمبيوتر في عام 1982م وربط فروع البنك بمركز الحاسب الآلي في عام 1986م، ونشر أجهزة الصراف الآلي، ثم تقديم الخدمات المصرفية عبر شبكة الإنترنت، إلى أن جاء عام 2002م الذي تُوّج فيه البنك بجائزة الأعمال السعودية الإلكترونية لأفضل مبادرة مبتكرة للخدمات الإلكترونية للشركات، وبعد ذلك قيامه بإنشاء أول مركز اتصالات متكامل بتقنية حديثة، وفي عام 2003م أطلق أول بطاقة ائتمانية بشريحة ذكية في المملكة، ثم كان أحدث المبادرات في المجال التقني ما أعلنه البنك في عام 2009م من تطبيق نظام تدوير النقد “TCR” في فروعه العاملة في المملكة وهو البنك الوحيد في المملكة الذي يستخدم هذه التقنية.