أذكر أنني كتبت مقالاً ضمن فعاليات احتفائنا بيومنا الوطني الخالد للعام المنصرم، الموافق 23/9/2010م، نشر في عدد من صحفنا المحلية. تناولت فيه لمحة سريعة للجانب الإنساني في شخصية مؤسس الكيان الشامخ الراسخ، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، طيب الله ثراه. اتفقت فيه نصاً وروحاً مع سيدي صاحب السمو الملكي الأمير فيصل آل سعود، طيب الله ثراه اتفقت فيه نصاً وروحاً مع سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير الرياض، مؤرخ الشيوخ وشيخ المؤرخين، وفقيه آل سعود وعالمهم اليوم، وأكثر الناس شبهاً بعبدالعزيز خلقاً وخُلقاً، اتفقت فيه مع سموه الكريم فيما أكده مما تمثله شخصية الملك عبدالعزيز من مادة ثروة ومعين لا ينضب للكتابة والتأليف واستجلاء الحقائق، لما انفرد به هذا البطل الفذ، الذي يعد بحق أقوى فرد في الأمة العربية خلال المائة عام الماضية، من مزايا وعبقرية نادرة، حفرت اسمه عميقاً في التاريخ بأحرف من نور. واعترفت أن الذي حفزني لكتابة ذلك المقال هو كتاب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ملامح إنسانية من سيرة الملك عبدالعزيز الذي أصدرته دار الملك عبدالعزيز. واليوم، أؤكد ما ذهبت إليه في مقالي الذي أشرت اليه آنفاً من ثراء شخصية المؤسس وتعدد جوانبها، حتى كأنه يبدو فعلاً أمة كاملة تامة في رجل واحد. صحيح.. كثيرون كتبوا عن الجانبين العسكري والسياسي في شخصيته، فوصفوا لنا قوته وجسارته وشجاعته، وحزمه وعزمه وإقدامه، وإستراتيجيته وعقيدته العسكرية، وطاقة الشموس الهائلة التي كان يتمتع بها، ودهاءه وحنكته وسعة حيلته وذكاءه، وعبقريته وإدراكه للعبة الأمم وإلمامه بالسياسة العالمية والأوضاع الدولية واستغلال القوى الكبرى وإكراهها على خدمة أهدافه. أجل.. نال هذا كله، وغيره كثير من تلك الصفات الحميدة والخلال الكريمة التي تحلى بها الملك عبدالعزيز، حظه من اهتمام المؤرخين والكتاب والساسة والمفكرين، غير أن جل تفكيرهم انصب على الناحيتين العسكرية والسياسية. ولهذا سوف أظل متمسكاً بقناعتي التي يشاطرني إياها جميع المهتمين، مؤكداً أن التاريخ الكامل لهذا البطل المغوار والقائد الفذ لم يكتب بعد، لأنه كان ملكاً بحق يستعصي تصوره على الخيال. ومثلما حفزني للكتابة مقالي الآنف الذكر (الجانب الإنساني في شخصية المؤسس) كتاب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، حرضني على كتابة هذا المقال اليوم، لتناول (الجانب الإنساني في شخصية المؤسس) تلك الملحمة الفريدة التي شهدتها بلادنا الغالية خلال الأسابيع القليلة الماضية، إثر تعرض مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ملك الإنسانية، يحفظه الله، لعارض صحي وسفره للولايات المتحدةالأمريكية، وإجرائه عمليتين جراحيتين، تكللتا ولله الحمد والمنة بالنجاح وعودة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد الأمين، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، أمير الخير، بعد إجازة خاصة قضاها خارج المملكة. والنجاح الأمني المنقطع النظير الذي حققه سمو سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز خلال موسم الحج الأخير، مضيفاً لوحة جديدة لسجل نجاحاته الدائمة، وسهره على راحتنا. بالإضافة لعودة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض المحبوب، راعي الوفاء والكرم والجود، بعد إجرائه عملية جراحية اضطرته للغياب عن معشوقته الرياض ومحبيه لبعض الوقت، غير أنه مع ذلك كان دائم السؤال عنا للاطمئنان علينا وتفقد أحوالنا، بل وحل مشاكلنا حتى وهو بين يدي الجراح وهكذا النفوس الكبار دائماً: لا تعفي نفسها من مسؤولياتها، بصرف النظر عما تعانيه من ألم أقول: أثر ذلك كله، تدافع السعوديين بعفوية شديدة، بكافة أطيافهم ومختلف طبقاتهم، وجميع فئاتهم، رجالاً ونساءً، وحتى أطفالاً، للتعبير عن مشاعر الحب والوفاء والإخلاص والولاء الجياشة التي يكنونها لولاة أمرهم وقادة سفينتهم، فدبجوا الصحف بمقالاتهم وأشعارهم، لا أقول مديحاً، لكن اعترافاً بفضل قادتنا وولاة أمرنا، وحبهم لشعبهم وحرصهم على مصالحة، وتوفير أمنه واستقراره، وحل مشاكله، وتسخير كل إمكانات الدولة لتوفير حياة كريمة له. ومثلما يتنافس قادتنا، يحفظهم الله، دائماً في خدمتنا والسهر على راحتنا، تنافس الشعب اليوم في إظهار حبه وإخلاصه وتأكيد ولائه ووفائه لقادة عظماء، وهبوا حياتهم كلها لهذا الشعب النبيل الذي يحفظ الجميل ويكافئ عليه بالحب والولاء والطاعة في المكره والمنشط. فقرأنا مقالات وأشعارا لرجال ونساء، وزراء وموظفي وزراع وصناع وعمال بسطاء وحتى لأطفالنا وذوي احتياجات خاصة، فالكل يعبر بطريقته. وارتفعت الأكف لله الواحد القهار ولهجت الألسن بالدعاء أن يشفي مريضهم ويزيل البأس عنهم ويجعل ما الم بهم طهوراً ويعيدهم إلى البلاد سالمين غانمين، ويمتعهم بالصحة والعافية، ويطيل في أعمارهم ويبارك فيها، ليواصلوا مسيرتهم في البذل والعطاء لرعيتهم وللأمتين العربية والإسلامية، بل ولسائر بني البشر، كما هي عادتهم دائماً، إذ ليس لفعل الخير وطن أو جنسية أو حتى عقيدة عند ولاة أمرنا الكرام الأماجد. وذهب بعضنا أبعد، وإن لم يكن ثمة شي أفضل من الدعاء والابتهاج للواحد القهار، فأضاف للدعاء تقديم الصدقة، فذبح ذاك إبله كلها ووزع لحمها على الفقراء والمساكين، شكراً لله أن من على قادتنا بالصحة والعافية، وتبرع صاحب سيارة أجره بنقل المواطنين مجاناً حتى عودة خادم الحرمين الشريفين للأرض الوطن سالماً معافى، ليس هذا فحسب، بل إن ثالثاً تنازل عن قاتل ابنه في موقف إنساني تجلت فيه أعظم صور العفو والتسامح، طلباً للأجر والمثوبة من الله عز وجل، ثم تقديراً لولاة الأمر في هذا البلد الطيب المبارك، الذين يحثون دوماً على العفو والتسامح والتآزر والتآلف والتعاون، مشيداً بما حظي به من ثناء سمو سيدي ولي العهد الأمين، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، مثمنا موقفه الإنساني الذي كان له بالغ الأثر في نفسه وعلى أسرته، داعياً له ولقادتنا بعظيم الأجر والمثوبة. واذ نزجي وافر الشكر وعظيم الثناء والحمد لله سبحانه وتعالى الذي جعل لنا ولاة أمر يتسابقون لخدمتنا، وألف بيننا، وغرس محبتهم في قلوبنا، وحبب إلينا طاعتهم وخدمتهم والدعاء لهم بظهر الغيب، إذ نفعل ذلك كله، أداء لواجب الحمد والثناء على هذا التلاحم الوطني الفريد بين القادة والرعية، لا ننسى مؤسس هذا الكيان وصانع وحدته، البطل الفذ، الملك عبدالعزيز آل سعود، الذي ضحى بدمه وماله ونفسه وولده وكل ما يملك، من أجل تأسيس دولة فتية قوية، دستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ما زلنا، وسوف نظل أبداً إنشاء الله، نتفيأ ظلالها، وننعم بثمرة جهاده وكفاحه وحياته الحافلة بالعمل الدؤوب، والبذل والعطاء اللامحدود. وبسبب قوة إيمانه بربه، وثقته في نصره، وصدق توكله عليه، وما وهبه إياه من صفات قيادية قلما اجتمعت لقائد غيره، استطاعت أسرة آل سعود تحقيق الاستمرار التاريخي، بعكس كل توقعات الخصوم وأمانيهم.. أجل، فقد كان عبدالعزيز قائداً فذاً فريداً، يعمل في الوقت ذاته في عدة جهات. فإذا كان يقاتل الأعداء ويقهر الخصوم ويفاوض الدول الكبرى، ويعد الجيوش، ويبني الدولة لا ينسى تنمية الحس الوطني، وتقوية الأواصر بي أفراد رعيته، وصهرهم في بوتقة واحدة ملؤها الحب والأخوة والتعاون على البر والتقوى والتآزر والتكافل الاجتماعي ومعلوم أنه لم يكن رجل شعارات جوفاء، يعلم أصحابها قبل غيرهم أنها أقرب إلى الوهم وتخدير مشاعر الشعوب من الحقيقة. فمثلها كان عبدالعزيز قدوة في القتال، إذا تجده دائماً في مقدمة الصفوف ممتطياً جواده، ومتقلداً سيفه، ولم تكن خيمته البسيطة تختلف عن خيم سائر جنده، فهي بيته في ساحة الفيها مجرد قطعة صوف تفرش على الرمل، وتوفي وفي جسده 43 طعنة، مثلما كان عبدالعزيز قدوة في أصعب ميادين الحياة، كان كذلك قدوة في كل شيء. فها هي حكايات بره بوالديه تفوق الخيال، وهي مشهورة في كتب التاريخ، كما تربطه علاقة فريدة بعمته نورة التي يقال إنها حملته الرسالة ولقنته، وهو طفل صغير، مسؤولياته في إعادة ملك آل سعود وحماية العقيدة والشيء ذاته يقال عن علاقته بأخته نورة التي ظلت مستشارته الأولى في شؤون بيته ومدبرة قصره حتى وفاتها يرحمها الله عام 1370ه (1950م). أجل.. كان عبدالعزيز يدرك جيداً أن الوحدة الاجتماعية تبدأ من الأسرة الصغيرة، ولهذا قام بواجبه على أكمل وجه تجاه أسرته، واهتم بتعليم أبنائه، وتنشئتهم تنشئة صالحة، وحرص بالقدر ذاته على تربية أبناء شعبه، فالكل عنده سواء كما شهد بذلك ابنه الملك فيصل، إذ يقول «إن والدي في تربيته لنا، يجمع بين الرحمة والشدة، ولا يفرق بيننا وبين أبناء شعبه. وليس للعدالة عنده ميزانان، يزن بأحدهما لأبنائه ويزن بالآخر لأبناء شعبه فالكل سواء عنده، والكل أبناؤه. واذكر أن أحد أخواتي الأطفال اعتدى على طفل آخر، فما كان من جلالته إلا أن عاقبه، ولم يشفع له أنه ابن الملك ولهذا كان عبدالعزيز، يرحمه الله يكرر دائماً: (ما نحن إلا خدم لرعايانا فإذا لم ننصف ضعيفهم، ونأخذ على يد ظالمهم، وننصح لهم، ونسهر على مصالحهم، ونكون قد خنا الأمانة المودعة إلينا) ويفسر لنا هذا حرصه الدائم على توجيه أبنائه وحضهم على التفاني في خدمة الناس، ورعاية مصالحهم وقضاء حوائجهم، وغرس حب الخير فيهم، أما على الصعيد الشخصي، فيطول الوصف عن جهده لإرساء مجتمع يسوده الحب والوئام ولهذا سوف أوجز ما أمكن، لأعطي فقط إشارة سريعة فقد كان، يرحمه الله، مثالاً فريداً في التطهر والتقشف في القيادة، لأنه كان يدرك جيداً أن التاريخ لم يعرف ثورة أو دولة بنيت على يد قيادة مترفة، فظل محتفظاً ببساطة معيشته، ولم يخرج من بلاده إلا في رحلات سياسية محدودة فرضتها ضرورة مصلحة شعبه وبلاده وكان كرمه عنصراً أساسياً، أجاد توظيفه، إذا كان يعطي ويتلذذ بالعطاء، وأخباره في هذا كثيرة، تناقلها أهل البوادي والحواضر، حتى في أصعب الأوقات، قبل أن يمكنه الله من خيرات بلاده. ويحكى انه كان ينتقي ما لذ وطاب من فاخر الطعام بيده الكريمة ويقدمه لضيوفه ومستشاريه الذين لا يتخلف أحد منهم عن مائدته في حضر أو سفر. وكان بجانب هذا كله حكيماً عادلاً، إذا اختلف مع أي فرد من رعيته، لا يقتص منه مهما علا شأنه أو نزل، بل يحتكم معه إلى الشرع، فينزل عن عرشه ويقف إلى جانبه أمام القضاة والعلماء مخاطبا: (أنا لست الآن إلا مجرد مسلم، يطلب أن يحكم بيننا بالشرع، أنا عبدالعزيز، أطلب من القضاة والعلماء أن يفصلوا فيما بيننا). أجل.. كان عبدالعزيز حريصاً على الوحدة والاندماج والتواصل المباشر بين الراعي والرعية، دونما واسطة أو شفعاء، فها هو يؤكد، حاثاً الرعية على الاتصال به، محذراً المؤولين من النفعيين الذين يصورون الباطل حقاً والحق باطلاً: (إن التباعد بين الراعي والرعية، يدع مجالاً للنفعيين فيجعلون الحق باطلاً، ويصورون الباطل حقاً، حيث إذا لم تكن هناك صلة بين ولاة الأمور والأهليين، وجاء أي شخص من أرباب المقاصد السيئة، وقال لولاة الأمور: إن المسألة الفلانية كيت وكيت، فمن أين يعلم ولاة الأمور، أن الأمر على الضد من ذلك، وأن هذا النفعي قد قلب الحقائق، وأما اذا اختلط الشعب مع ولاة الأمور، فإن هؤلاء النفعيين الدساسين يخشون من مخاطبة أمرائهم بعكس الواقع، ويخافون من أن ينكشف الغطاء فتعرف نياتهم السيئة. إن بعض الشياطين هم من خدمة ولاة الأمور الذين يخافون على مراتبهم وكراسيهم، وجل ما يرمون إليه هو قضاء مآربهم بأيه واسطة كانت، فاختلاط الرعية بالحكام يقضي على أولئك من جهة، ويسهل الأمور ويحل المشكلات من جهة ثانية) ثم يدعو الناس للمطالبة بحقوقهم وعدم السكوت على الظلم من أي فرد كان: (من عبدالعزيز بن الرحمن بن سعود إلى شعب الجزيرة العربية: على كل فرد من رعايتنا يحس أن ظلماً وقع عليه، أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا، ولو كانت موجهة ضد أبنائي وأحفادي أو أهل بيتي. وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه، مهما تكن قيمتها، أو يحاول التأثير عليه، ليخفف من لهجتها، أننا سنوقع عليه العقاب الشديد.. كل شكاية ترفع لنا عن طريق البرق أو البريد، من أي شخص كان، يجب أن ترسل لنا بنصها، ولا يجوز تأخيرها، ولا إخبار المشتكي منه، سواء أكان أميراً أو وزيراً أو أدنى من ذلك أو أكبر).. ويوصي ولي عهده سعوداً: (عليك أن تجد وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم، بالنصح سراً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض. أجعل كبيرهم والداً، ومتوسطهم أخاً، وصغيرهم ولداً، وهن نفسك لرضاهم، وامح زلتهم، وأقل عثرتهم، وأنصح لهم، وأقض لوازمهم بقدر إمكانك....) ويوصي أبناء شعبه: (من كان منكم من بيت رفيع، فليحرص على ألا يكون سبباً في خفضه، ومن كان من آخر، فليني لنفسه مجداً، فقد من الله عليكم وأرشدكم إلى طريق الخير). تأمل معي أيها القارئ الكريم ذكاء هذا البطل الفذ وعدله وحبه لأبناء شعبه وحرصه على المساواة بينهم حتى في الخطاب، إذ لم يقل لهم وصيته الأخيرة هذه: من كان من بيت وضيع، بل قال: ومن كان من آخر، لأن الكل عند عبدالعزيز سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين أمير أو وزير أو خفير، فعلى الكل الواجبات الاجتماعية والوطنية ذاتها وله الحقوق نفسها. وبجانب هذا كله، كان عبدالعزيز يقول دائماً إنه لا يرى نفسه أكثر من (أب) لأسرة كبيرة هي شعبه، وأنه مسؤول عن هذه الأسرة أمام الله. ولهذا كان يصغي إلى الكبير والصغير من شعبه، يستمع إلى أحاديثهم ويشارك المسرور منهم سروره، ويتوجع لألم المحزون، فينسون أنهم بين يدي ملك، يتمتع بحقوق السيادة ويشعرون أنهم بين يدي (أب) طالما قال وبرهن قوله بالعمل: الكبير منكم أخ لي، والصغير من أبنائي. ولهذا كان السواد الأعظم من رعيته يخاطبه دونما تكلف: يا طويل، أو يا أبا تركي، وربما ناداه بعضهم باسمه مجرداً: يا عبدالعزيز ويجيبهم عبدالعزيز، القائد الفذ الكبير، مبتسماً أو مصغياً، ولا يراهم قد خرجوا عن حدود الأدب معه. هكذا كان عبدالعزيز، حكيماً عادلاً، متسامحاً، كريماً، واسع الصدر، حريصاً على مصلحة شعبه، عطوفاً بهم، مشفقاً عليهم، حريصاً على وحدتهم بذل كل جهد ممكن للرقي ببلاده وأهلها، ولم يسمح لنفسه بالدخول في حرب أهليه أو الصدام الدموي مع قيادات شعبه الدينية والاجتماعية، فاطمأن الناس على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وأحبوا عبدالعزيز من أعماق أعماقهم، فأخلصوا له وأطاعوه كأفضل ما يخلص شعب لقائد ويطيعه. ولآن عبدالعزيز قد أعد أبناءه، وهيأهم لتوجيه دفة السفينة من بعده، فها هم اليوم يقودون البلاد خلفاً بعد سلف، بحكمة وأمانة، على منهج الكتاب والسنة، لم يغيروا ولم يبدلوا من منهج والدهم شيئاً، فصاروا حقاً خداماً لرعيتهم كما أوصاهم والدهم وعلمهم وأراد لهم أن يكونوا فها هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يحفظه الله، يسير على درب والده الصالح المصلح، فيوقف كل وقته وماله وجهده وفكره وعقله لخدمة بلادة وشعبة، ولا يفتأ يكرر: رفعة بلادنا ومستقبل أبنائنا أمانة في أعناقنا. ولهذا تحققت في عهده الزاهر الميمون انجازات مدهشة، أراها أقرب إلى الخيال من الحقيقة، شملت كل مجالات البناء، إذ يكفي أن تعلم فقط، أيها القارئ الكريم، أن عدد الجامعات تضاعفت في عهده ثلاث مرات. وأولى الأعمال الخيرية والاجتماعية جل اهتمامه ورعايته لترسيخ مبدأ المشاركة. وقد نال الأطفال والمسنون والنساء وأصحاب الحالات الخاصة قدرا كبيرا من عنايته، وتلمس احتياجات مواطنيه ووقف على أحوالهم شخصياً. فهو محب لهم، صادق معهم، مخلص في خدمتهم ورعاية شؤونهم، وقد رأينا كلنا صدق هذا الحب من خلال تلك الدموع التي سالت على خده الكريم يوم استقل أبناء شهداء الواجب في القصيم وهو يحمل هم شعبه، حتى وهو على السرير الأبيض، يتعافى مما أصابه من ألم. أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فجهوده من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلام، وتوطيد الأمن في العلم وموافقة الإنسانية التي لا تعد ولا تحصى مشهودة للجميع ولهذا ليس غريباً أن يحتل المرتبة الثالثة في قائمة أقوى زعماء العالم تأثيراً لعام 2010م، ضمن أكثر عشرة زعماء احتراماً على مستوى العالم، لأن جهوده الجبارة لم تقف عند حدود بلاده وإذ شملت سائر بني البشر في مشارق الأرض ومغاربها. ولهذا كانت عافيته وصحته مهمة للجميع، كما أكد ذلك سيدي سمو النائب الثاني، الأمير نايف بن عبدالعزيز، يحفظه الله، في برقيته للمليك عند مغادرته ارض الوطن إلى أمريكا للعلاج: (سلامتكم سلامة وطن، وسعادة مواطن، وعزة إسلام وعزوة مسلمين). وها هو ولي عهده الأمين، وعضده القوي المتين، سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، الذي جبل على مكارم الأخلاق، وثبات العزيمة، وسداد الرأي، يسير على ذات الدرب، فأصبحت عطاءاته ومكرماته مضرب مثل، إذ حيثما حل سلطان، حط الخير رحال. وصحيح أن سلطان رجل المواقف النبيلة، ونبع الحكمة الصافية، ويمين العطاء والكرم، وعنوان السماحة والمروءة وصلوا الخير، لكن صحيح أيضاً أن العالم قد عرفه راعياً للثقافة والعلم والآداب والبحث العلمي والبيئة، شغوفاً بالوطن، محباً للرعية، مخلصاً للعقيدة، حريصاً على العلم وأهله، سخر كل إمكاناته وطاقاته لخدمة العلم والعلماء وفتح التعاون الحضاري بين الأمم والشعوب، فعرفه العالم راعياً للعلم، منصفاً على البحث العلمي، بجانب حبه للخير الذي صار ابرز سجاياه ورديف اسمه. أجل.. يحار الإنسان كثيراً في وصف هؤلاء القادة الذين صاروا مضرب مثل في التضحية ونكران الذات، فمع ما يضطلع به سمو سيدي ولي العهد، يحفظه الله، من مسؤوليات جسام، إلا أنه شديد الاهتمام بالجانب الإنساني، من تكوين الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء والمحتاجين والمساكين والمرضى، وإغاثة المنكوبين ورعاية ذوي الظروف الخاصة، إلى الاهتمام بالبيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان على كل المستويات محلياً وإقليمياً ودولياً فليس غريباً إذا قيل إن سموه الكريم يمثل جمعية خيرية مستقلة، قائمة بذاتها، بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى ولهذا استحق بجدارة أن يتم اختياره أحد الرجال العشرة العازمين على حماية بيئة كوكب الأرض في العالم. كما تم اختيار سموه الكريم رجل البيئة الأول لمرتين على مستوى العالم العربي، ونال جائزة الشيخ راشد آل مكتوم للشخصية الإنسانية للعام 2002 تقديراً لدوره في الأعمال الخيرية والإنسانية على كافة المستويات (عربياً، إقليميا، وعالمياً) بالإضافة لوسام الشرف الإنساني العلى لعام 2007 م تقديراً لعطائه الفياض الذي شمل كل المجالات في الداخل والخارج، فنشر ثقافة العمل الخيري ومكافحة الفقر والجهل والمرض وساهم في تطوير العمل الإنساني.. وغير هذا كثير من الأوسمة والجوائز التي نالها سموه الكريم فازدانت باسمه. أما سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، فيعمل ليل نهار لننام نحن ملأ جفوننا، ويظل سموه الكريم ساهراً يحرس الثغور ويدفع الأذى عن النفس والحرمات، وتحقق جهوده مع بزوغ كل فجر جديد نجاحاً باهراً يضاف إلى سجل نجاحاته الخالدة فكم باغت الفئات الضالة المنحرفة في أوكارها فأفشل مخططها الإجرامية الهادمة، لزعزعة الأمن، وإثارة الرعب وتفتيت عري اللحمة الاجتماعية وتمزيق الوحدة الوطنية التي تمثل صمام أمان سلامنا الاجتماعي. مهتدياً في ذلك كله بخطى والده، والأمثلة على هذا كثيرة، لا يمكن سردها في مقال سريع كهذا، لكن يكفينا فخراً بأمين بلادنا وعيننا الساهرة، ذاك النجاح الباهر الذي تحقق في حج العام الماضي، بشهادة العالم أجمع، إذ أدهش نايف جهابذة النظريات الأمنية في العالم بما حققه من ضبط ونظام لملايين البشر، جاءوا من كل بقاع الدنيا، واجتمعوا في صعيد واحد، يتسع بالكاد في الظروف العادية لبضع مئات الآلاف وقد اسر إلى كثيرين ممن جاءوا للعمل في بلادنا أنهم ربما استطاعوا كسب مزيد من المال في بلدانهم، غير أنهم يفتقدون هذا الأمن والسلم الاجتماعي الذي ينعمون به هنا ويغبطوننا كثيراً عليه فلله درك أبا سعود. والحمد لله القائل: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). أما سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير الرياض المحبوب، فحقاً يحار المرء في الحديث عن رجل بقامة سموه الكريم، وشموخه وسماحة نفسه.. رجل الدولة وحاكم نجد ومهندس نهضتها، كافل اليتامى وأبو المساكين وبلسم المرضى وصاحب الأيادي البيضاء في كل شبر من الوطن وخارجه.. سلمان راعي الوفاء والخير، المسكون بالبحث عن مصلحة البلاد والرعية، وغرس الفضيلة وحب الناس، الحريص على نشر ثقافة العمل الخيري ومكافحة الفقر والمساهمة في تطوير العمل الإنساني المهتم بتقوية النسيج الاجتماعي، حماية لهذا الامن الذي يمثل المؤرخ، الذكي اللماح، السياسي المحنك، العادل شيخ المؤرخين والمثقفين والنسابة.. سلمان رجل العطاء والانجاز والحسم الذي لم يحدث أن غادر مكتبه يوماً وعلى طاولته معاملة تخص شخص ما، لأنه يدرك أهمية انجاز العمل المتعلق بمصالح الناس. ومع هذا ربما اندهش أيها القارئ الكريم، إذ علمت أن سموه الكريم يرأس نحو ستين لجنة، وهيئة خيرية وتنموية شهدت لعطاءاته الإنسانية، وربما زادت دهشتك إذا علمت أن رئاسته لكل تلك الهيئات ليست رئاسة شكلية، لأنه رجل جاد وصادق، يقدر المسؤولية ويدرك ثقلها وأهميتها، إذا تولى أمراً بذل فيه قصارى جهده وصادق، يقدر المسؤولية ويدرك ثقلها وأهميتها، إذا تولى أمراً بذل فيه قصارى جهده، سعياً لتحقيق أكبر قدر ممكن من العطاء الخيري الإنساني لبني البشر كافة ولهذا ليس غريباً أن ينال سموه الكريم العديد من الأوسمة والجوائز تقديراً لجهوده ولهذا أيضا أجدني حقاً عاجزاً عن وصف هذا الرجل الموسوعة، صاحب الحكمة التي تؤكد لك أنه في كل شيء ملهم موهوب. ففي مجلسه الحكمة والدروس والعبر، ففي أسلوب الإدارة الفذة النابهة، والحرص على مصالح الناس وخدمتهم ورعايته شؤونهم. وهو ترسيخ لسياسة الباب المفتوح، ونهج إداري فريد، رسخ جذوره والده المؤسس، فلا تهاون في العمل والانضباط، ولا إهمال لمصالح الرعية مهما كانت، والحق يقال: إن حياة سلمان كلها مواقف إنسانية فريدة في خدمة الناس، وحل مشاكهم، فها هو حتى في أثناء المرض لم يدع التفكير فينا، وتفقد أحوالنا، وقضاء حاجاتنا، حتى وهو بين يدي مبضع الجراح.. يعزي هذا ويهنئ ذاك ويأمر بإصلاح أمور هناك.. الخ وقد حملت إلينا الصحف في أثناء غيابه في كل يوم ما يؤكد سمو سيدي الأمير سلمان أن الملك عبدالعزيز شخصية ثرية للكتاب والمؤرخين والمفكرين، وهذا قطعاً صحيح، أناشد من جانبي شباب اليوم للتأمل في شخصيته الأمير سلمان ودراستها للاقتداء به، لا سيما في الإدارة والانضباط، وخدمة الناس، وعشق الخير، والوفاء للعقيدة والعائلة والوطن والقيادة. وعليه، ليس غريباً إذا أن يتدافع المواطنون والمقيمون، وحتى آخرون كثر في مختلف بلدان العالم، لإظهار الحب والتعاطف وتأكيد الولاء والإخلاص لقادتنا الكرام وولاة أمرنا الأماجد الذين يمثلون اليوم امتداداً طبيعياً لوالدهم المؤسس الذي أوقف حياته كلها لخدمة العقيدة وتأسيس الدولة والذود عن حماها وخدمة مصالح الناس والحقيقة. الشواهد على هذا كثيرة، تكاد لا تعد ولا تحص، غير أنني اكتفي هنا بنموذج واحد فقط يؤكد لنا ما نعرفه عن حرص الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، على مصلحة الناس وخدمتهم، وتقوية أواصر المحبة والتآلف والتآزر والتعاون والتكاتف بينهم. فعندما عاد يرحمه الله من رحلته إلى مصر عام 1365ه (1964م) جمع سكان الرياض تبرعات للاحتفاء بمناسبة عودة جلالته، لكنه سارع إلى توجيه الأهالي باستثمار ما جمعوه من مبلغ في شيء يدوم نفعه ويعم خيره الجميع، شاكراً لهم جهدهم ومقدراً مشاعرهم وبالفعل: استثمر المبلغ لإنشاء أول مدرسة أهلية في الرياض عرفت ب (المدرسة التذكارية) في البطحاء.. سميت هكذا تخليداً لتلك المناسبة الكريمة. وما تزال حتى اليوم رابضة هناك، شاهدة على ما أقول. وما زال هذا التقليد متأصلاً حتى اليوم أيضا، إذا يحرص آل سعود في كل مكان على تحويل الأموال التي تجمع للاحتفال بهم إلى مشاريع خيرية مثمرة، يعم نفعها الجميع ويدوم خيرها إلى الأبد، وتبقى شاهدة على سماحة نفسهم وحرصهم على مصلحة مجتمعهم، ومن يعود بالذاكرة اليوم يجد مشاريع عملاقة وليدة هذا التقليد العريق، ولا شك أن هذا يعد من شيم القيادة الرشيدة التي تدرك قيمة الوقت والجهد والمال مهما قل او كثر، أذكر من تلك المشاريع على سبيل المثال، بالإضافة للمدرسة التذكارية: مكتبة الملك فهد الوطنية، مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، حدائق الملك عبدالله العالمية، منتزه الملك عبدالله بالملز، جامعة الأمير سلطان، برنامج الأمير سلطان للطوارئ ومركز الأمير سلمان الاجتماعي. وبعد: مثلما ختمت مقالي السابق بمناسبة اليوم الوطني (الجانب الإنساني في شخصية المؤسس) اختم مقالي هذا بدعوة المؤرخين والباحثين والمهتمين بشأن تاريخنا المجيد أن يجدوا السري، فينقبوا في حياة المؤسس، دارسين شخصيته الفريدة الفذة، ليكشفوا لنا المزيد عن حياة ذلك البطل الذي كان حقاً مجموعة أبطال في بطل واحد، كما أكد بولس سلامه، شاعر ملحمة عيد الرياض المجيد، اذ يقول: أمة وحده (أبو تركي) هو الماس والملوك دراهم * مدير إدارة الثقافة والتعليم للقوات المسلحة