حينما يخرج المولود للحياة يكون مغمض العينين وهي فترة طبيعية يمر بها كل الأطفال لكن حينما تطول مدتها الطبيعية فهي مؤشر خطير على أن الطفل قد يكون وُلد أعمى أو أن هناك أمراضاً في العينين, أيضا الطفولة التي يمر بها المولود وحركته حبواً ثم وقوفاً ثم مشياً لها مُددُ لا يمكن أن تنتهي إلا وقد خرج الطفل من مرحلة إلى أخرى وبقاءه فترة طويلة عاجزاً عن الخروج من إحداها يعني أيضاً أن هناك مشكلة، هذه الحال تنطبق تماماً على الاقتصاد السعودي والقائمين عليه والمسئولين عنه وهم الفريق المناط بهم إدارته ووضع الخطط له وتنفيذها نسمع كلاماً كثيراً ومللنا من أحاديث وردية لا حد لها عن الأفاق المستقبلية للاقتصاد السعودي تطالعنا تصريحات كل يوم للمسئولين الاقتصاديين تحمل في ثناياها أرقاماً تفوق مذهلة يحققها الاقتصاد السعودي ولكن للأسف هي مجرد أرقام أما على أرض الواقع فالحال لم يتغير كثيراً وعلى فرضية أن تطوراً محدوداً وبسيطاً قد حدث فما نملكه من ثروات ومقدرات يثبت أننا مازلنا نراوح مكاننا ولم نتخط موقعنا كثيراً فالتطور والنمو الواقع هو الشاهد الأكبر لهما أعتقد أننا مازلنا ندور في حلقة مفرغة ونبحث عن طريق صحيح يقودنا للتفوق وأول خطوة نحتاجها ندرك معها أننا سائرون على المنهج الاقتصادي السليم لبلوغ من سبقنا من الدول العظمى واللحاق بمن تخطانا وهم دوننا في كل شيء تحديد الخطأ وأعتقد أن المعضلة لدينا تضخيم الأشياء التي أنجزت والحديث عنها وكأنها فتوحات والتغافل عن حقائق قائمة وهي أن هناك من سبقنا في تحقيقها وإنما حققناه مقارنة بما نملك وما هو متاح لنا يعد لا شيء وأيضاً الاستخفاف وتجاهل الأخطاء من قبل المسئولين عن هذه الأجهزة يتعاملون بتصوراتهم الفردية ومداركهم الشخصية ومدى قبولهم لها وقناعتهم بها ويعرضون عن قبول آراء الآخرين ويتعاملون بمبدأ أن أقوالهم وأعمالهم هي الصواب المطلق والحق المبين وهذا ما قاد لأزماتنا كلها وفاقم من مشاكلنا نعرف أين مكمن القصور ونتجاهله وندرك مواضع الخلل ونعرض عنها ولا أدل على ذلك من موضوع البطالة لقد جرى الحديث كثيراً عن التعليم ومخرجاته وسوق العمل ومتطلباته وذهبت البعوث الدراسية للخارج وعادت تحمل أعلى الشهادات ومع ذلك مازالت تنتظر الوظائف وسوق العمل لا يجد للعائدين وظائف تستوعبهم لأن الاقتصاد لدينا لا يخلق وظائف, إذن أين تكمن المشكلة والجواب في الاقتصاد. الاقتصاد السعودي ومنذ أكثر من أربعين عاماً وهو يبحث عن مخرج وحتى الآن لم يجده وهذا لا يمكن أن يتم إلا بالنظر في تجارب الأمم السابقة والشعوب والبحث في عوامل وأسباب نهوضها والوقوف على مسيرة هذه الشعوب في الحياة.. كوريا الجنوبية عام 1963م دخل الفرد فيها من أقل المداخيل على مستوى العالم سنغافورة جزيرة بحجم مدينة جدة كانت مرتعاً للبعوض وحتى الماء تستورده من ماليزيا وناتجها القومي يعادل ثلثي الناتج القومي للسعودية وماليزيا عام 1980م كثير من أبنائها يعملون في سنغافورة في وظائف بسيطة وهي اليوم الدولة الصناعية العاشرة على مستوى العالم الصين مصنع العالم والنظام فيها شيوعي وعدد سكانها رقم مخيف ومع ذلك معدلات نموها سنوياً تقارب العشرة بالمائة والهند معها تقود نمو الاقتصاد العالمي حالياً، إن الاقتصاد الضعيف كالمريض تشخيص علاجه ومعرفة دائه هو أول الدواء وأنفعه وتظهر قدرات الطبيب الماهر بتجاوب صحة المريض وتحسنها سريعاً ولكننا حين ننظر لواقعنا الاقتصادي فأعتقد أن الأيام بيننا وستكشف كثير من المشكلات وتتفاقم الأزمات لأننا لا نعترف بالمشكلة أصلاً وبالقصور في معالجتها ونتأخر كثيراً في ذلك ولعل الصندوق العقاري أحد الشواهد ظلت أعداد المتقدمين له تتكدس بحجة أنه ليس هناك دعم حكومي له ولم يدرك أحد خطورة أزمة الإسكان وأنها أقل حقوق المواطن وأحد أحلامه وأكبر العوامل المؤثرة على نفسيته وسلوكياته وحجم إنفاقه مع مسئوليتها الكبرى عن التضخم المالي فهي أحد أكبر عوامل ظهوره ووجوده وكان مبلغ 300 ألف ريال قبل خمسة وعشرين عاما يوازي 60% من كلفة بناء فيلا مناسبة بمساحة 500 متر واليوم لا يكاد هذا المبلغ يكفي شراء حديد الفيلا لقد كانت طريقة آلية عمل الصندوق العقاري وجمودها سبباً حقيقياً في ظهور أزمة الإسكان ومعاناة الشعب منها لقد توقف الدعم الحكومي عن هذا الصندوق مما ساهم في خلق الفجوة الهائلة في سوق الإسكان بين العرض والطلب وعليها فقس كثيراً من مشاكلنا وأزماتنا التحرك المناسب في الوقت المناسب والمبادرة بالعلاج هو أكبر عامل إيجابي في السيطرة على الأزمات ولعل آخرها وأخطرها وأشدها كارثية سوق الأسهم السعودي المقبرة القائمة التي دفنت فيها مدخرات أجيال وشعب في سنين طويلة.