على الرغم من أهمية التعريف بمفهوم الإدارة الاستراتيجية ومفرداتها وجعل مصطلحاتها متادولة بشكل متناغم داخل المنشأة إلا ان التطبيق العملي والممارسة التطبيقة لهذا المفهوم هو الأهم. وكثيرا ما يتم بذل وقت وجهد كبير لمناقشة الاستراتيجيات مقارنة مع الوقت الذي يتم فيه مناقشة آلية التنفيذ وكيف يمكن ان توضع هذه المفاهيم عمليا على ارض الواقع. ولعنا اليوم نقف على نافذة من نوافذ هذا التطبيق من خلال استعراض تقرير ارسله لي أحد الزملاء نشرته شركة ماكينزي العالمية للاستشارات يوضح العلاقة بين الادارة الاستراتيجية والتطبيق العملي لأحد البرامج التي تتبناها المنشآت. تطرق التقرير الى انه على الرغم من التفاؤل الذي يلوح في الأفق مبشرا بأن هناك تعافيا اقتصاديا في طريقه إلى أن يتحقق في كل أنحاء العالم، الا أن برامج خفض التكاليف تصدرت قرارات المدراء التنفيذيين في فترة الركود الاقتصادي الحالية. وبين التقرير في المقابل ان دارسة اجريت على اكثر من ألفين من المدارء التنفيذيين بينت أن اثار برامج خفض التكاليف تتلاشى خلال سنة وبحد اقصى سنة ونصف على بدء تنفيذها. وقد عزا التقرير فشل برامج خفض التكاليف التي اتبعها عدد من المنشآت خلال الفترة الماضية الى عدم ربط هذه البرامج باستراتيجية تلك المنشآت ، وبعبارة اخرى فان التطبيق الخاطئ لمفهوم الادارة الاستراتيجية لمثل هذه البرامج جعل اثارها تتلاشى بشكل سريع. ومن الأسباب التي ادت الى هذا الفشل عدم وجود علاقة واضحة بين برامج التكاليف والإستراتيجية وعدم معرفة ان الإستراتيجية هي التي توجه جهود تخفيض التكاليف وليس العكس وبما ان تخفيض التكاليف اهداف آنية فان عدم ادراك هذه المعرفة يجعل النظرة قاصرة في كثير من الاحيان على تحقيق الهدف الآني على حساب الاهداف الاستراتيجية وهم ما سيتضح من بعض الامثلة التالية. فمن الملاحظات التي اشار اليها التقرير ان الكثير من المنشآت لا تربط بشكل صريح وواضح بين برامج تخفيض التكاليف والخطط الإستراتيجية الأكثر شمولا. ونتيجة لذلك، توجه برامج التخفيض في مثل هذه المنشآت الى جميع الادارات ووحدات العمل بدون استثناء الأمر الذي يؤدي الى حرمان الوحدات ذات الأداء العالي من الموارد التي تمكنها من الاستثمار في انشطتها التي تساهم بشكل اكثر فعالية في نمو القيمة الحقيقية للمنشأة في حين ان الربط الجيد بين هذه البرامج والخطط الاستراتيجية يجب ان يدفع المنشأة الى زيادة الانفاق ، او بعبارة اخرى مضاعفة الاستثمار ، في النشاطات التي من شأنها أن توفر فرص نمو جديدة وتحقق عائدا مرتفعا على رأس المال المستثمر. وفي المقابل ، ونتيجة لتوجيه هذه البرامج لجميع الادارات ووحدات العمل بدون استثناء ، نجد أنه لا يحقق سوى تحسينات طفيفة في الوحدات متدنية الأداء التي لم تتطلب كمية عالية من الموارد والتي كان بإمكان الإدارة أن تعيد توجيهها إلى وحدات النمو عندما يتم توزيع التكاليف بشكل مناسب. وفي ظل غياب هذه العلاقة فقد تنطوي مبادرات برامج خفض التكاليف في كثير من الأحيان على نتائج سلبية غير مقصودة تنعكس على اداء المنشأة ككل. فعلى سبيل المثال، في إحدى المنشآت العالمية التي تعمل في صناعة الأجهزة الطبية ذات التقنية المتواضعة، تم توجيه برامج تخفيض تكاليف التصنيع والمنتجات على مستوى المصنع دون النظر في مدخلات أو رؤى العملاء من فرق المبيعات والتسويق. وقد تسبب تخفيض تكاليف التصنيع في حدوث عيوب بالمنتجات لأنه لم يكن لديهم دراية بكيفية استخدام العملاء لتلك المنتجات. ونتيجة لذلك، أدى برنامج تخفيض التكاليف إلى فقدان العملاء وبالتالي حصة المنشأة في السوق. ولعل هذه الأمثلة توضح ان تطبيق برامج تخفيض التكاليف او غيرها من البرامج جزء أكثر ثباتا في إستراتيجية المنشأة من أجل النجاح في المدى البعيد ، وأن التطبيق العملي لمفاهيم الادارة الاستراتيجية على اي برنامج من شأنه أن يمكن المدراء من إيصال رسالة واضحة كيف تجعل المنشأة في وضع أقوى ليس فقط في المدى القصير بل تدفع المنشأة إلى النجاح المستمر وتخطي الازمات الآنية التي تواجهها برؤية تنافسية استراتيجية بعيدة. * إدارة استراتيجية وتسويق كلية إدارة الأعمال – جامعة الملك سعود