بيتاً شعرياً لأبي الطيب المتنبي يقول فيه (وتعظم في عين الصغير صغارها.. وتصغر في عين العظيم العظائم)، وهو بيت مشهور ضمن قصيدة كاملة في مدح سيف الدولة الحمداني، وكما هو واضح بأن المقصود من البيت، اختلاف الناس في النظر إلى الأمور، وأن ضعيف الهمة يستعظم الشيء الصغير, ويرتضي الوضع الحقير, بينما صاحب الهمة العالية يستصغر ما عظم من الأمر, ويأتي كل المكارم والمحامد، وبدون الغوص في مناسبة القصيدة أو المعنى الأساسي الذي قصده المتنبي من ذلك البيت، دعونا نوظف البيت على نحوٍ اقتصادي سيكون له نفس المعنى والفائدة التي سيجنيها الفرد بعد أن يكون ذا همة عالية، ولكن لنستأذن من "المتنبي" ونقلب موازين بيته الشعري ونقول: يفشل المتعالي حينما يستحقر الصغائر بينما يجني البسيط منها الأرباح الكبيرة، وهي قاعدة اقتصادية لا تقل أهمية عن معنى البيت الأساسي حينما نضرب الأمثلة الواقعية التي تثبت ذلك، حيث سبق لي أن... مجموعة من الشباب السعودي يقوم بجمع المواد الورقية مثل "الكراتين" و"الجرائد" وغيرها، لبيعها على مصانع تدوير الورق، وهي ذات مردود جيد إذا كان الشاب يخطط لتطوير نفسه مادياً من خلالها (وليس مقصده الحصول على "حق البانزين" للتسكع في شارع التحلية أو "لشحن الجوال" لإرسال SMS لقنوات الأغاني الفضائية)، فالمواد الورقية بعد استهلاكها ترمى بالشوارع وعلى الأرصفة، وبالنسبة لي شخصياً فحينما أشاهد كرتونا في الشارع أراه أمامي "كرتون" بينما تراه "عيون" هؤلاء الشباب "ريالين"، وقد لا ألام "أنا" بنظرتي "الغير اقتصادية" كما تلام تلك الجهات والشركات الكبيرة التي لديها المستشارون والخبراء وتفرط برمي "المواد الورقية" وعدم التعاقد مع مصانع إعادة تدوير الورق للاستفادة من العائد المادي لها، وعلينا القياس على أمور أخرى غير المواد الورقية مثل الأثاث أو قطع الحديد وأشياء أخرى كثيرة أمام نظر الأغلبية هي "نفايات" وبنظر القلة "أموال"، وكما يعاني الشباب السعودي من العمالة الأجنبية المتخلفة في مجالات مختلفة، هنا في تخصص "تحويل المهملات إلى عملات" يزاحمونهم أيضاً بل قد تصل إلى الحرب الباردة لإخراجهم منها وهذا دليل على أنها ذات عائد مادي جيد، ودعونا نسلك مسلكا آخر أكثر تطوراً من "مهملات الجماد" ونتحول إلى "ذات الأرواح"، فأحد الشباب السعودي يهوى تحنيط الحيوانات، ويزور أسواق الطيور بالرياض ويراقب المحلات إلى حين أن يكتب له رزق بموت أحد الطيور أو الحيوانات ليأخذه بعد موته مباشرة إلى منزله ويضعه في الثلاجة ومتى ما رغب بدأ بتحنيطه ووضعه بشكل جمالي، ليبيع تلك الجثة بسعر مضاعف عن سعرها حينما كانت تنبض بالحياة، علماً بأن تكلفة "مواد التحنيط" قد لا تشكل سوى 10 أو 15% من الأرباح، كما أن زيارة واحدة له لسوق الحمام وغيره من الأسواق، قد يرزق بمجموعة كبيرة ومتنوعة من "الفطيس" الذي يحوله بلمساته إلى "ذهب"، وكل ما سبق أمثلة وأحاديث للتجارب الفردية، أما من ناحية الفكرة والتجارب على مستوى الدول للاستفادة من "اللا شيء"، فقد... بأن الولاياتالمتحدةالأمريكية افتتحت مصنع غاز حيوي يحول "المخلفات" البشرية إلى طاقة، حيث يتم تدوير ما يقارب ل115 مليون جالون من المياه يومياً لطاقة، وبغض النظر عن تفاصيل ذلك ما يهمنا هنا أن جميع ما سبق يثبت بأن لكل شيء فائدة وله مردود مادي قد يشجع البعض إلى عدم استخدام "سلة مهملات" في المنزل وجمع المهملات في مستودع والتفكير بطريقة ما للاستفادة منها مادياً، في النهاية أختم بالتذكير بأن كثيرا من أبيات الشعر مثل بيت "المتنبي" والحكم والأمثلة العربية تملك دروساً لو طبقناها لأصبحنا مجتمعا مختلفا ونبيها، إلا أننا قد نقرأ ونكتب كثيراً وبعدها نصبح مثل "السبورة الممسوحة" فلا تطبيق ولا عمل مجرد "فلسفه" في المجالس..!!