لأن الإبداع لا يثبت إلا على "اللحظة الحالة" التي كُتب فيها، ولأنه نتاج بصيرة تشترك فيها ثقافة اللا وعي مع ثقافة الحواس والذاكرة، الأنا ومحيطها، كما تشترك فيها ثقافة الحيرة والسؤال، ولأكثر من هذه الأسباب، فإننا نجد بأن النص المبدع يترك آثاره اللا مرئية ومتحولاتها المتغيرة في آثاره المرئية الثابتة المحيرة، مما يثير إشكالات في القراءة، لا بد من الوصول إليها من خلال "روح النص" الناتجة عن التلاقي والانزياح بين بنيتيه: السطحية والعمقى، وفضاءيه:الأسود والأبيض، حيث الكشف يتلألأ موغلاً في الابتعاد، مما يترك حيز التأويل مفتوحاً على اللا نهاية، سواء من حيث مقصدية كل من المؤلف والنص، أو المتلقي والنص، وهذا ما تفعله المجموعة القصصية "بيت العنكبوت" للمبدع "سيف محمد المري"، وذلك بعد مجموعة قصصية "رماد مشتعل"، ومجموعتين شعريتين:"الأغاريد"، و"العناقيد". فكيف لنا أن نقرأ (103) من القصص القصيرة جداً المعنونة ب"بيت العنكبوت"/ (ط1/2010/ عدد الصفحات 250)؟ (1/ 3) أطياف السر.. ضمائر الحدس تشترك القصص في العديد من الثيمات الموضوعية، المختزلة في الحياة، بكل مكوناتها، وأحداثها، ومشاهدها التي تبدو يومية، لكنها مستمرة عبر الزمان والمكان، كونها تلامس الإنسان في ذاته، وتعكس هذه الذات في شبكة من العلائق الاجتماعية والنفسية، فنجد الشخوص حية بيننا، تواصل أدوارها، وتتحرك على منصة الفضاء السردي، مثيرة انعكاسات أشبه بخيوط تنسجها العنكبوت، ربما، لذلك كان هذا العنوان بارزاً، وهو يحمل اسم قصة من قصص العمل أيضاً، وربما يوحي بأكثر من احتمال، يبدأ من طريقة العنكبوت في نسج البيت، ودقة الخيوط، واشتباكها، ومتانتها وقوتها التي أثبتها العلم، على الرغم من ضعفها الظاهري، وقد تحيلنا إلى متاهة من نوع ما، وقد تعني تداعيات الفناء ذات لحظة، لكنها بمجمل تأويلاتها تعيدنا إلى الحياة كبؤرة مركزية، ومن هنا، كان العنوان المركّب قابلاً للتحليل، والتأويل، والاستنتاج، والتركيب، تبعاً لثقافة القارئ ودرجات حساسيته وطريقته في التلقي، ولن يؤدي هذا الاختلاف إلى الاختلاف على "النزعة الإنسانية"، الحاضرة في المجموعة، بل سنتفق جميعاً، على أن الهدف الأول، الواضح، هو "الثابت" من القيم والأخلاق، وهذا الثابت أبدي، ليس لأنه يفلت من خيوط العنكبوت، وأوهن البيوت، بل لأنه يكشف عما يحدث بين هذه الخيوط، داخل مساحتها الممتدة، وخارج امتدادها، فتشتبك الأعماق، وترحل عن الشوائب السوداء، لتعود إلى حضورها أشد صفاء، ونقاء، فتولج الضمير، وتفتتح التساؤلات على الواقع الذي تنتقده بطريقة مباشرة، وغير مباشرة، كما تفتتح الحلول وأنفاقها بطريقة الانعكاسات "الفلاشباكية"، و"الاستنتاجية"، و"البرقية"، وغيرها من التقنيات الفنية، خاصة وأنها تعزف على أوتار "مألوفة": الحب، الموت، المخيلة، الألم، السعادة، الصبر، التفاؤل، اللغة، الفراق، اللقاء، الروح، وما يتداخل في الحياة من وجدانات وقضايا كبرى وصغرى، لكن، بأسلوبية "لا مألوفة"، تتصاعد وتيرتها تبعاً ل (لحظة ِ الحدس ِالكاتب)، الذي يعلو إلى "الميتافيزيقي" ليكتب "الفيزيقي" بطريقة تميل إلى جذب "الشعرية"، و"السوريالية"، و"الصوفية"، في نقطة الجاذبية الأهم "الحكمة"، التي تمنح المتعة والعبرة والفائدة والتشويق، كاشفة، وبفلسفة ما، عن نص مثقف بالذاكرة والمخيلة.