قلنا إن إعادة تشكيل الرؤى للتحول للعالم الافتراضي الذي أنشأته شبكات الانترنت السريع "البرود باند" وأجهزة الحاسوب والبرمجيات أمر من الضروري أن تتصدى لقيادته جهة حكومية عليا (وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، هيئة الاتصالات، هيئة الاستثمار.. الخ) بما يتوافق وخطة الدولة التنموية بعد أن تتداوله مع النخب المتخصصة من كافة قطاعات التنمية وأفراد المجتمع من خلال المؤتمرات والمنتديات والمحاضرات وورش العمل، وكان تساؤلنا الأخير وهو موضوع هذه المقالة " من هي الجهة حكومية المؤهلة حاليا لقيادة التحول لنتعامل مع هذا الواقع الجديد الذي ستتعاظم قوته بانتشار "البرودباند" في كافة أنحاء بلادنا؟" روى لي أحد الوزراء السابقين أن الدكتور مهاتير محمد راعي نهضة ماليزيا قال له لا تخطئوا كما أخطأنا بنشر الانترنت السريع "البرود باند" دون أن تعملوا وبشكل "متزامن" على توفير المحتوى وتحفيز وتوعية المجتمع ومؤسساته للاستخدام الواعي لهذه الخدمة ولإنتاج المحتوى الجذاب والمؤثر والفاعل الذي يدمجكم في العصر ويحافظ على هويتكم في آن واحد. أيضا روى لي أحد مستشاري رئيس وزراء دولة عربية أن مهاتير محمد قال له عندما أراد نقل تجربة ماليزيا في مجال الانترنت السريع وتطبيقاته وتوظيفها في دعم الخطط التنموية: إذا أردت تحقيق الأثر الايجابي لهذه العملية فإنك تحتاج لقائد واحد لكي يكون هناك رؤية واحدة والباقي يتكاملون في تحقيقها لا رؤى متعددة مشتتة أو متضادة ومعيقة". حسب علمي فإن فكرة تأسيس مجلس تنافسية الاتصالات وتقنية المعلومات جاءت بهدف نشر "البرود باند" من منطلقات اقتصادية بحته حيث ترى الجهات المؤسسة للمجلس أن مفهوم "التنافسية" يجب أن يسود على حساب مفهوم "الحماية" الذي ولى زمانه لدمج الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي المفتوح ولقناعتها أن "البرود باند" سيعزز تنافسية بلادنا بما يلعبه من دور كبير في تحفيز النمو الاقتصادي وخلق خدمات جديدة في كافة المجالات الخدمية والإنتاجية ولما لذلك من أثر كبير على توفير القوى البشرية الوطنية المؤهلة ذات الكفاءة والإنتاجية كما دلت على ذلك العديد من الدراسات الدولية في هذا المجال وكما هو الحال في الدول التي وفرته بشكل واسع بجودة عالية وأسعار معقولة. وإذا علمنا أن مجلس تنافسية الاتصالات وتقنية المعلومات يسعى لتعزيز تنافسية بلادنا تنفيذا لتوجهات الحكومة الإستراتيجية وتنفيذا لقراراتها بشأن تنويع مصادر الدخل وتعزيز القاعدة الإنتاجية للبلاد في إطار برنامج خادم الحرمين الشريفين للإصلاح الاقتصادي فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن المجلس يمتلك قاعدة قوية ليلعب اليئة دورا أكبر في توسيع مهام مبادرة "مؤشر انتشار البرود باند" إذ يمكن أن تلعب المبادرة دورا هاما في تحفيز القطاع الخاص وأفراد المجتمع فضلا عن الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لإنتاج المحتوى الوفير الجذاب والمؤثر الذي يلبي متطلبات التنمية من حيث المعاصرة والمحافظة على الهوية إضافة لمهمتها في تحفيز نشر خدمة "البرود باند" في أنحاء المملكة من خلال إيجاد وتعزيز المنافسة الايجابية والفعالة بين المناطق الإدارية في المملكة. لذا أعتقد أن مجلس تنافسية الاتصالات هو الجهة الأجدر لقيادة وتوجيه التحول المتزامن نحو العالم الافتراضي الجديد الذي ستتعاظم قوته بانتشار "البرودباند" في كافة أنحاء بلادنا لكون المجلس بالإضافة للمعطيات السابقة يضم في عضويته ممثلين للجانب الحكومي (الهيئة العامة للاستثمار، وبرنامج الحكومة الإلكترونية "يسر"، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية) وممثل القطاع الخاص (مجلس الغرف التجارية) ونخبة من شركات القطاع الخاص أهمها شركات الاتصالات الأربع (شركة الاتصالات السعودية، شركة اتحاد اتصالات "موبايلي"، وشركة زين السعودية، وشركة اتحاد عذيب) ونخبة من الشركات المحلية والأجنبية المعروفة ذات التجارب العالمية الناجحة. إن إعداد إستراتيجية وطنية لتحفيز العناصر الوطنية لإنتاج المحتوى استنادا إلى التجارب العالمية الناجحة الموثقة بكتب متوفرة في معظم المكتبات المحلية والعالمية لم تعد قضية معقدة وتحتاج لزمن طويل والقضية كلها تقوم على ثلاثة عناصر رئيسة، الأول: تعزيز درجة الوعي بثورة المعرفة مقارنة بثورة الصناعة وضرورة التوجه لاستثمار فرص هذه الثورة وتجنب مخاطرها، والثاني: توفير أدوات صناعة المحتوى سهلة الاستخدام بأسعار معقولة، والثالث: تسهيل عملية تعليب وتخزين وعرض وتسويق المحتوى وتحصيل المستحقات المالية لكون الحركة الاقتصادية هي العامل الرئيسي الأهم في تعجيل وتطوير عمليات صناعة المحتوى الغزير المميز. مجلس تنافسية الاتصالات وتقنية المعلومات يحمل في مضمون مسماه تعزيز التنافسية وهو الأجدر على نشر تنافسية صناعة المحتوى في ظل توجه الكثير من الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص للتعامل مع جهات محددة في صناعة وتطوير محتواها بما يخالف أبسط قواعد التنافسية المعززة للجودة والمخفضة للتكاليف، نعم قد يواجه المجلس وهو يعمل على تعزيز تنافسية صناعة المحتوى بعوائق كبيرة من أصحاب المصالح المنتفعين من الاحتكار ولكن وبكل تأكيد مع الإصرار تتعزز التنافسية وينحسر الاحتكار. كلي ثقة بالقائمين على مجلس تنافسية الاتصالات بأنهم سيحفزون التحول المتزامن لضرورة تزامن قهر عقبات صناعة المحتوى جنبا إلى جنب مع قهر عقبات انتشار البرود باند في كافة أنحاء البلاد لتعزيز تنافسية بلادنا الاقتصادية التي يصبون لتحقيقها، وكلي ثقة بأن المجلس سيضطلع بمهمة إعداد إستراتيجية فعالة لهذا التحول المتزامن والإشراف على تنفيذها، وفي المقالة القادمة سوف أتطرق لأهمية صناعة المحتوى الوطني للنهوض بالثقافة والتعليم باستثمار معطيات العالم الافتراضي كأمثلة تبين أهمية الإسراع في إعداد وتنفيذ إستراتيجية التحول لكونهما عناصر حاسمة في مواكبة العصر مع المحافظة على الهوية الوطنية.