قال: لم يعد هناك ما يثير الدهشة..! قلت: ولم ذلك..؟؟ لا أظن هذا.. فالتشاؤم المفرط مرفوض من وجوه عدة! ألم يقل نبي الأمة صلوات الله عليه: «تفاءلوا بالخير تجدوه». قال: لكن التراكمات السوداء توالت.. وتتابعت.. وطغى بعضها على بعض.. حتى أضحت زوايانا.. واتجاهاتنا.. أشبه ما تكون بحرائق الغابات المتتابعة التي تملأ الأجواء دخاناً.. وتلوث المكان.. والبيئة.. سواداً.. واختناقاً.. وكارثة وسوءاً! وتابع يقول: يا هذا.. عن ماذا تريد ان أنشد؟؟ والصوت قد بح من كثرة الصمت.. وطول الصمت.. وكلل الصمت.. وسأم الصمت.. وملل الصمت. يا هذا.. عن ماذا تريد ان أنشد؟؟ عن قيم نبيلة جميلة.. تندثر بيننا رويداً رويداً.. ولا من منجد.. أو منقذ.. أو حتى مكافح! عن روابط - إلى وقت ليس بالبعيد - كانت أواصر خير واخوة تزركشها الأصالة.. والتماسك.. والتوارث.. والثبات!! أراها وقد أضحت.. تهن وتبلى.. وتتطايح حلقاتها واحدة إثر الأخرى دونما حسيب ولا رقيب.. أو حتى صائح.. أو مناد!! والاجابة عن السبب تبدو معلقة كالفراغ بين السماء والأرض.. وتكبر ظاهرة عريضة فسيحة كامتداد الأفق.. رغم نبرات مبحوحة خافتة تئن تارة هنا.. وأخرى هناك! يا هذا.. عن ماذا تريد ان أنشد؟؟ عن التقنية المزعجة المحطمة..؟ أم.. عن الجيل الاتكالي المحبط؟ عن الخراب بكافة أشكاله وألوانه وقد غزانا من أبوابنا.. ونوافذنا.. وأبصارنا وبصائرنا.؟؟؟ يا هذا.. قل لي بربك. عن ماذا تريد ان أنشد؟؟ ألم أقل لك.. لم يعد هناك ما يثير الدهشة؟؟ وما ان سررت لسكوته.. حتى بادرته: يا هذا.. أنسيت أنك في زمن الانفجار المعرفي؟؟ أنسيت أنك في حقبة الثورة المعلوماتية؟؟ أجهلت أنك في عصر مجتمع المعرفة.. والقرية الكونية؟؟ أنسيت.. وجهلت.. أم تتجاهل أنك في جيل (الماك والبلاك والآي والفيس والمسن). وقبل ذلك كله.. في زمن الإعلام المفتوح ليل نهار.. صبح مساء؟؟ تنهد قليلاً.. ثم التفت يمنة.. وأتبعها بيسرة.. وزأر باهة حرى صارخاً: فليكن ذلك : وليكن كذلك :!! لأننا ننتمي لأمة حضارة.. وأصالة.. وإرث ومجد.. وتراث عظيم عظم الأمة بأسرها.. بل عظم الكون قاطبة وان صدح أبو ريشة - عليه رحمة الله - ب : أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم وإذ ذاك.. إذا بالمساء يسدل علينا أستاره مرغمنا على ايقاف ثرثرتي معه.. وثرثرته معي.. والتي كانت بحق.. وليست غير ثرثرة.. ذات مساء!!