الرأسمالية هي روما العصر تتوج ملكة على عرش العالم في استقطاب أيدلوجي جعل منها حلماً ونموذجاً تسعى لهما شعوب الأرض الساعية إلى أحلام النمو والرفاه ونضرة النعيم الرأسمالي ، وفي بيان قمة العشرين الأخير في (سيؤول) اتفقت دول المجموعة على أن تقف جنباً إلى جنب من أجل تفعيل خطة تحفيز إضافية تهدف إلى خلق فرص عمل جديدة، وإصلاح المؤسسات المالية وتخليصها من الأصول المتعثرة ، وتحفيز الأسواق الناشئة.. هذا بيان لدول تسيطر على(90 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، 80 في المائة من التجارة الدولية، وتمثل ثلثيْ سكان العالم)، ولكن هذه الواجهة المهيبة التي تحتل المشهد وتحظى بالاهتمام والضوء الإعلامي على هامشها تحتدم المظاهرات من قبل جماعات الخضر والنقابات العمالية والحركات الشعبية المضادة لهذا الاستقطاب والهيمنة مناهضة لما تسميه بالجشع الرأسمالي الذي ليس له حدود وانعكاساته السلبية على البيئة والأرض ومواردها المهددة بالنضوب ، بالاضافة إلى تآكل الأمن الوظيفي وتقلص حقوق العمال وانخفاض البعد الانساني في أسواق العمل التي تخضع لقانون العرض والطلب بانقياد شبه كامل. من ناحية أخرى وبنوع من الفوقية الاقتصادية تبدي الكثير من الدوائر قلقها من دخول الهند والصين إلى نادي الرفاه العالمي، فتلك الدول التي كانت تقبع خارج الأسوار وعلى الكفاف مع متقشفي وجياع الأرض استطاعت أن تمتلك بطاقة العضوية التي تؤهلها التمتع بمباهج الكون الغربي ، بعد أن ارتفعت قيمة دخل الفرد هناك وانتعش االاقتصاد ، وتراكم الفائض ، وأصبح هناك ثلاثة مليارات فرد سيدخلون إلى حديقة الرفاه مقتفين النموذج الرأسمالي، وسيمتلكون سيارات ستزيد بدورها من نسبة التلوث العالمي بالغازات ، وسيسعون إلى اقتناء ما تنتجه عروض الأكروبات المثيرة التي يتبارى في تقديمها للعالم كل من ( مايكرو سوفت وآبل من ناحية أخرى ). حتى تجار اللحوم أبدوا تخوفهم من قدوم (3) مليارات فم إلى السوق العالمي يطمحون إلى أسلوب جديد على المائدة ، مخلفين ذائقتهم النباتية خلفهم ومتجاوزين ثقافتهم المتقشفة وبوذا النباتي وكريشنا المتعفف ، ومستبدلين جميع هذا (بستيك) الكاوبوي الأمريكي وسيجارته المارلبورو الحمراء. ونحن جزء من قمة العشرين لأننا نشرف على محطة الوقود العالمية ، واقتصادنا الريعي يسعى في طريقه حثيثا باتجاه أن يتجاوز مجاله السلبي نحو اقتصاد الصناعات التحويلية ، ليصبح لنا دور محوري وجزء من الأدوار البطولية على خشبة المسرح ، ولكننا نخشى المزيد من التورط بجميع أنظمة وقوانين اللعبة الاقتصادية العالمية الشرسة والخطيرة . الاقتصاد يبقى هو الفاعل الرئيس للتاريخ وهو الدافع لمحركاته ، وهو الذي يسهم في صياغة الخرائط والحروب وبقع التوترات ، وأماكن المقايضات . الرأسمالية المغوية تستجيب لذلك التوق البشري الدائم للمتعة وتعرف مفاتيحها ، تداعب الشهوات وتراقص الرغبات ، وتستدرج الإنسان لهاوية ذلك الجوع الأزلي والشراهة لمزيد من الاقتناء ، الرغبة التي لن يطفئها مثل جبل أحد ذهباً . الرأسمالية هي روما العصر تفرض شروطها وترسخ هيمنتها ولكن هل تمتلك جميع الحلول والأجوبة لمأزق الإنسان الوجودي؟!