«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ضاحية بيروت.. دمار شامل    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    خسارة الهلال وانتعاش الدوري    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    الأهلي والنصر يواصلان التألق آسيوياً    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    ألوان الطيف    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    تطوير الموظفين.. دور من ؟    كلنا يا سيادة الرئيس!    في خامس جولات دوري أبطال أوروبا.. قمة تجمع البايرن وباريس.. ومانشستر سيتي لاستعادة الثقة    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    القتال على عدة جبهات    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعاً الإنسان الأب محمد عبده يماني
نشر في الرياض يوم 12 - 11 - 2010

جاءني خبر وفاة المفكر والأديب والإنسان الدكتور محمد عبده يماني وأنا في غربتي ليزيدني أسى وألماً على فراق الأعزاء..
أخبرتني شقيقتي الصغرى ونحن في القاهرة بالخبر تدريجياً.. قالت لي «لقد اشتد عليه المرض» لم أجرؤ على اللهاث إلى وكالات الأنباء أو أي مصدر إعلامي وأنا في مكتبي في العمل خوفاً من أن يكون الخطب أسوأ من ذلك فشقيقتي بطبيعتها تخشى إثارة الأحزان على الآخرين. هربت من كل من هم حولي كي لا أسمع ما أخشاه.. انطلقت بسيارتي في شوارع القاهرة المزدحمة بأحزان سكانها وقلقهم الدائم.. ترى هل يعلمون كلهم الحقيقة وأنا وحدي التي لا أعرفها.. استقر بي الحال في أحد المساجد لأدعو له في هذه الأيام المباركة.. أدعو بماذا؟ فأختي لم تؤكد لي خبر الوفاة وداخلي لا يجرؤ على تصديق ذلك.. كان محمد عبده يماني يضع لوحة على مكتبه مكتوباً عليه الحديث الشريف - وهو من محبي رسول الله - «لا يرد القدر إلا الدعاء».. هل أدعو له بالعافية وطول العمر.. لا فدقات قلبي العالية وارتعاش كلمات أختي الرقيقة ذات المشاعر المكتومة خوفاً على من حولها - وهو ما كان يقدره فيها والدنا الروحي محمد عبده يماني - لم تكن تؤشر بالخير.
استقر بي الحال في القسم النسائي في أحد مساجد القاهرة ليجيء صوتها مجيباً عن سؤالي المباشر هذه المرة: بماذا أدعو له؟ أجيبي!! قالت: بالرحمة والمغفرة.
رحل عنا الدكتور محمد عبده يماني الأب والإنسان الحنون الذي بفقده ينقص المحيطين به الكثير.. ذكرني يوم وفاته بلحظة وفاة أبي المرحوم علي حسن غسال وكانا يتشابهان في الكثير.. حب الخير وحب مساعدة الناس، التواضع الجم ورهافة الحس، وكان والدي شاعراً واليماني كان أديباً.. عند وفاة أبي اهتزت أركان الحياة مع قطرات دموع أمي التي غمرت الدنيا حتى شعرت بهشاشة الأرض التي تحمل الأسرة، وتحملت أمي عمق الموقف وحدها فبسبب طفولة حزني لم أدرك جيداً هول الكارثة أنا وإخوتي فلم نكن من النضج الكافي لنشعر باليتم.. تيتمنا أنا واخوتي - وأمي معنا عند فراق أبي فكان الحصن والسند خاصة مع بُعد الأهل في المملكة.. ومر الآن ما ينيف على 30 عاماً على رحيل أبي.. وها هي المأساة تتجسد من جديد مرة أخرى مع وفاة محمد عبده يماني أبي الروحي ولكن هذه المرة يصحبها نضج ودراية مؤلمة بمعنى اليتم.
كان محمد عبده إنساناً بكل ما تحمله الإنسانية من معان.. عطوفاً متلهفاً على بعث الفرح في قلوب المكلومين.. والآن وأنت لست بيننا من سيضمد آلام آلاف القلوب التي تعتصر حزناً على فراقك من سيهديها ببث بواعث الايمان فيها كعادتك.. كانت ابتسامته الهادئة قادرة على هدم جبال الأحزان والقلق. كنت تجلس إليه ملقياً عليه همومك دون خجل فأنت أمام وجه يملؤه الإيمان وقلب يشعرك بالأمان.. لا تقلق أبداً عندما تلج إلى مسامعه كلمات قد لا تعنيها أو لا تقصدها.. لا تخجل لا تهتز فأنت في حضرة عقل يعي تماماً ما بداخلك لا يعنيه ما قلته.. فهو ينصت إلى ما تشعر به نعم أنت في أيد أمينة.. كان الناس على بابه حتى آخر لحظات عمره، فهو الإنسان الذي لا يرد محتاجا ولا يبخل بالعطف والحنان لمساعدة كافة أنواع البشر الفقير والغني ذي الجاه والبسيط كان لديه المد الأدبي والمعنوي والمادي لكل من يقصده.
كنت تشعر بسلاسة تعاليم ديننا الحنيف عند الاستماع إليه وإذا قرأت كتاباته.. تحب الدين وتعشقه بهدوء وعلم وتفكر بعيداً عن التعصب.. كان يشغله خدمة المسلمين ومساعدة غير المسلمين على اعتناق الإسلام في كافة بقاع الأرض. كانت كتاباته العفوية في الدين هي التي شجعتني لإدخال باب ديني في المجلة التي أرأس تحريرها رغم انها مجلة اقتصادية لكن الدين الإسلامي لا يترك مجالاً لم يطرقه وعلمنا على حب التبحر وربط الدين بالحياة أناس مثل محمد عبده يماني، كان يفخر بكل ما أنجزه في عملي على المستوى الإعلامي والدبلوماسي فخر الأب بابنته.
هو الرجل الذي أعطى للمنصب بريقاً عندما كان رئيساً لجامعة الملك عبدالعزيز ووزيراً للإعلام في واحدة من أهم المراحل التي شهدتها المنظومة الإعلامية في المملكة، أو فاعلاً للخير من خلال قيامه بالإشراف على العديد من المؤسسات الخيرية والدينية الهادفة للعطاء فكان خير أمين على ذلك بحبه للعطاء الذي لا حدود له.
كانت آخر نظراته العالقة بقوة في ذاكرتي منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر عندما زار أمي في أحد مستشفيات جدة بعد إجراء عملية جراحية لها - وكانت زيارة أم انكفأت على تربية أبنائها بحب تشغله أكثر من زيارة كبار المسؤولين.. حينها لم تكن قدماه تساعداه على المشي بسهولة ورغم معاناته جاء إلينا ماسحاً آلام المرض مباركاً المكان بتمتماته الإيمانية مالئاً غرفة المستشفى بأنفاسه الطاهرة المودعة لنا ونظراته الأخيرة.. والدي ،لا زالت الكلمات بداخلنا لم تنضب بعد راغبة في أن ترتمي على مسامعك النقية.. ولكن الله بيده وحده يلهمنا الصبر على فراق أحد أعمدة حياتنا فإننا نبكيك أباً وسنداً وإنساناً حنوناً خلوقاً صادقاً ومواطناً مخلصاً لبلده، فإلى جنة الخلد، وهنيئاً لأهل الجنة المكرمين فقد جاءكم في هذه الأيام المباركة من أحب رسول الله وآل البيت وأحبه الله والبشر.
* دبلوماسية بالقاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.