تتجه المملكة العربية السعودية بقوة نحو استخدام التقنية في جميع مجالات الحياة وتوظيفها لدخول مجتمع المعرفة واللحاق بركب الدول المتقدمة، مما يحتم على مناهجنا الجديدة مواكبة هذا التوجه ... وقد كانت وثيقة المشروع الشامل للمناهج تحمل في طياتها هذا الهدف ... حيث تبنى الكتب وفق المدخل التكاملي الذي يعتمد على دمج الكتب المتعددة للمادة الواحدة في كتاب واحد يتضمن أنشطة وتدريبات تدفع الطالب إلى القراءة والبحث والتحليل والتفكير والنقد والحوار .... ولا تعتمد على كثرة النصوص وتقديم المعلومات والمعارف مما يجعل وظيفة الطالب مقتصرة على الحفظ والاستظهار ... لقد بشرتنا الوزارة بتوجهات رائدة تحدث نقلة نوعية في بيئة الصف، بحيث تصبح الدروس ورش عمل وحوار وتفاعل بين الطالب والمعلم، وكذلك بين الطالب وزملائه تسهم في بناء شخصية الطالب، وتعطيه الثقة بالنفس، والتعبير عن الذات، والقدرة على الإقناع، واحترام وجهة نظر الآخرين، التعاون والبحث ... وغيرها من القيم الاجتماعية التي نلمس حاجة كثير من أبنائنا إليها في الوقت الحاضر. وبحكم تخصصي في التربية والتعليم أوصيت زوجتي قبل بداية العام الدراسي بأن تشتري لبناتي الثلاث حقائب صغيرة لأن الكتب الجديدة ستكون قليلة بعدد المواد الرئيسية (إسلامية، عربية، اجتماعيات، رياضيات ، علوم ).. ولكنني تفاجأت بعد استلامهن الكتب بزيادة عدد الكتب عن العام الماضي إلى الضعف .. وبلغ عدد كتب الصغيرة في الصف الأول (14) كتابا مابين كتاب طالبة وكتاب نشاط ... ومن متطلبات تعلم هذه الكتب تكوين ملف نشاط لكل مادة .. إذن كم سيكون وزن حقيبتها ؟ ولماذا هذه الكتب وهي مازالت في بداية مشوارها لتعرف الحروف وتهجي الكلمات أمر يثير الدهشة والاستغراب؟؟!! إن النظرية البنائية التي اعتمدت مدخلا لتأليف هذه الكتب تقوم على أساس زيادة تفاعل الطالب، وممارسته التعلم بذاته قراءة وفهما وتحليلا ، مع إتاحة الفرصة للحوار والبحث والنقد والتلخيص ... والبعد عن الكتب التي تقدم المعلومات الجاهزة التي تضطر المعلم إلى ممارسة التلقين وحشو الذهن، حيث لا يجد الوقت الكافي لإعطاء الطالب فرصة للتعلم الذاتي والتأمل والتفكير والمناقشة .. ولكن بعد تصفحي لهذه الكتب وما تتضمنه من نصوص ومعلومات أعتقد أنها بعيدة عن تحقيق الأهداف التي رسمت لها ، حيث سيقضي المعلم (الجاد) ومعه الطلاب طيلة الحصة بين أوراق هذه الكتب ولن يجدوا متسعا من الوقت للرجوع إلى معجم لغوي، أو كتاب مرجعي، أو موقع على الإنترنت .. كما توجه بذلك تلك الكتب. لقد خصص للغة العربية كتابان ويتم تقييم الطالب في المادة من (100) درجة بينما خصص للتربية الإسلامية- بفروعها- (10) كتب ويتم التقييم من (500) درجة هذا مع أن عدد الحصص للمادتين متقارب مما يدل على عدم التوازن، وأن نهج التأليف مختلف ، ولايجمعهما سوى جوانب شكلية مثل تخصيص كتاب نشاط لكل مادة، وإلا فما حاجة كتاب التوحيد لكتاب نشاط (وجهة نظر). إن هذا الكم الكبير من الأوراق والكتب وملفات الأنشطة يحتم على الوزارة إصدار تنظيمات جديدة للتعامل مع هذه الأثقال تجيب على عدد من الأسئلة أبرزها: هل من الضروري أن يصطحب الطالب هذه الكتب إلى المنزل ويعود بها، أم يبقى كتاب الطالب ويكتفى بكتاب النشاط...؟ ملفات النشاط – تنمو يوما بعد يوم- هل مأواها الحقيبة ذهابا وإيابا أم تبقى في الفصل؟ وهل توجد خزائن مناسبة في الفصول؟ ثم مادور المعلم مع هذا الكم من الأنشطة مجرد ملاحظ أم مصحح ؟ متى يطلع ولي أمر الطالب على ملف إنجاز ابنه؟ أسئلة إجرائية كثيرة تهمنا كآباء وتتعلق بصحة أبنائنا وسلامة ظهورهم وعقولهم. إضافة إلى ذلك فإن مصدر التجديد في هذه الكتب وجود وسائل تعليمية مرافقة لها كلوحات العرض المكبرة، والأقراص المدمجة، والعروض التوضيحية .. ولكنها للأسف لم تصل بعد إلى المدارس . أخشى ما أخشاه أن يتكيف المعلمون مع الكتب الجديدة ويتعاملوا معها بنفس الخطوات التقليدية : شرح ثم قراءة، ثم تدريبات.. وقد يستغنى عن كتاب النشاط .. وربما أهملت كثير من الأنشطة التي تتطلب البحث أو إنجاز مشروع أو توفير جهاز عرض .. والأسوأ والأخطر من ذلك كله الاستغناء عن هذه الكتب ذات الصفحات الصقيلة والطباعة الفاخرة بملخص مصور من عدة صفحات .. تقدم للطالب المادة وجبة سريعة – على الماشي. لقد حاول مشروع (تطوير)أن يحسن بيئة الصف من خلال إدخال التقنية بتوفير حاسب شخصي لكل طالب سبورة ذكية، جهاز عرض ، إنترنت بسرعات عالية ... ولم ينجح .. واليوم يسعى المشروع الشامل للمناهج لتحسين بيئة الصف من خلال تطوير الكتب وزيادة أنشطتها لعل المعلم يتخلى عن دوره المسيطر الآمر الناهي إلى دور الموجه المدير للحوار المثير للتفكير، وعسى أن ينشط الطالب ويتفاعل ويناقش ويبحث ... فهل ينجح؟ لماذا نصد عن المدخل الحقيقي للتطوير إنه تطوير المعلم، المعلم الجاد المحترف يستطيع أن يحقق نتائج باهرة بوسائل سهلة وميسرة، بينما المعلم الكسول يستطيع أن يفشل أفضل برامج التطوير وأجودها... أعلم أنه ليس من اليسير تطوير مئات الألوف من المعلمين ولكنه أيضا ليس بالأمر المستحيل، ويمكن بخطة متوسط المدى وأنظمة مدروسة إيجاد بيئة تحفز الجميع على العمل والجد والبحث عن المعلومات وتطوير المهارات بشكل ذاتي.