أصدرت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مؤخراً قراراً بتخصيص داعيات إسلاميات بقصد الحفاظ على الأمن الفكري، خاصةً أنّ الوسط النسائي بحاجة إلى من يرشده ويثقفه ويوجهه التوجيه الصحيح بعيداً عن الأفكار المشبوهة والمضللة التي يروج لها بعض النساء الدخيلات على الدعوة والفكر المعتدل، ولكن هناك رأي آخر يقول إن قضية الأمن الفكري ومحاربته لا تحتاج إلى داعيات بقدر ما تحتاج إلى توعية تبدأ في المؤسسات التربوية الخاصة بالنساء من مدارس وجامعات وغيرها، ولقراءة هذا القرار تحدثنا مع عدد من المسؤولين والمفكرين. داعيات مؤهلات للتوجيه وبمخاطبة الوزارة لتوضيح رؤيتها حول اتخاذ القرار، أوضح وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد "د.توفيق السديري" أنّ النساء شقائق الرجال، والمجتمعات النسوية بحاجة ماسة للداعيات المؤهلات للتوجيه والتوعية والإرشاد، وأنّ هناك مساعي لتطوير الدعوة النسائية لسد الحاجة في مجال الدعوة في الأوساط النسائية، وسوف تقدم الداعيات المتعاونات الأعمال الدعوية في المساجد والدور النسائية. الحاجة للتنظيم وأوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود "د.علي الخشيبان" أنّ المجتمع السعودي ليس بحاجة إلى داعيات بقدر ماهو بحاجة إلى تنظيم العمل الدعوي وخاصة النسائي، قائلاً: "لقد حدث خلال العقود الماضية خلل في عملية تنظيم العمل الدعوي خلقت فوضى في ممارسة هذا العمل؛ فأصبحت المؤهلات سهلة وبسيطة لا تتعدى أن تكون سمات شخصية ظاهرية وسلوكاً وليس علماً وممارسة، وأعتقد أن المطلوب اليوم هو عمليات تنظيم حقيقية وتعريف واضح لمهام الدعاة حتى لا تختلط بمفاهيم أخرى فهناك فروقات كبيرة بين الدعوة والتطوع والعمل الخيري". د.توفيق السديري د.السديري: الداعيات سيقدمن الأعمال الدعوية في المساجد والدور النسائية وأكد أنّ القرار قابل للنجاح أوالفشل، فالمهم أن يتم بناء أنظمته وفقاً لمعايير صحيحة ومركزة تحقق الهدف من توظيف داعيات في المجتمع، وخاصةً أنّ السؤال المُلح، أين سوف تتجه الداعيات إلى البيوت أم إلى أماكن العمل؟، فدخول الداعيات إلى البيوت فيه مخاطر، وذهابهنّ إلى أماكن العمل فيه تعطيل، فالنساء لسن كالرجال يمكنهن الذهاب إلى المساجد وإلقاء الدروس، فهل ستكون هناك دروس للنساء في المساجد؟، مشيراً إلى أنّ القضية معقدة ويجب أن تتم دراستها بعناية كبيرة، فمجتمعنا لديه ثقافته التي تحدد كيفية التعامل مع النساء وعلاقتهن المجتمعية، لذلك لابد من مراعاة ذلك بشكل كبير فالاتصال بالعنصر النسائي في مجتمعنا عملية معقدة حتى وإن كانت بين النساء أنفسهن. صورة المجتمع في أذهاننا ويرى "د.فالح العجمي" أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود أنّ حاجة المجتمع السعودي إلى الداعيات مرتبط بمدى تصور الواقع الذي يعيشه، والنظرة إلى أفراده وفئاته، وقال: "إذا نظرنا بموضوعية إلى هذا المجتمع المتمسك بالدين في كل شؤونه، فإنّ كل أفراده بحاجة إلى الوعظ والتذكير المستمر، والتحذير الدائم من الزلاّت التي هي سبيله إذا لم يختر الطريق الذي يرسمه له بعض الدعاة الذين تحولوا إلى نجوم!". الأمن الفكري أما مديرة المكتبة النسائية ومكتبة الطفل في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة -فرع المربع- "فاطمة الحسين" فتخالفهما الرأي وترى أنّ كل مجتمع بحاجة إلى دعاة وداعيات، وأنّ النفس البشرية دائماً بحاجة للتذكير، وأهمية تغذية الروح، قائلةً: "القرار كان بقصد الحفاظ على الأمن الفكري، والتأكيد على القيم والمبادئ الفاضلة في المجتمع". د.علي الخشيبان معايير الالتزام د.الخشيبان: التوعية بالأمن الفكري عملية تربوية ومعرفية وليست عقدية ومن ناحية الصفات التي يجب أن تكون عليها الداعية، واشتراط أن تكون ملتزمة دينياً، قال "د.الخشيبان": "الداعية المطلوبة للعمل في التوعية الدينية في أي مجتمع، هي عالمة دين لديها تأهيل علمي واضح، ولديها قدرات نفسية واجتماعية و"كاريزما"، تمكّنها من التواصل بشكل إيجابي مع المستمعين لها، أما قضية كونها ملتزمة، فالالتزام فكرة ارتبطت في مجتمعنا بقضية المظهر الخارجي، وأصبحت معاييرها "مطاطة" والمجتمع كله ملتزم بدينه ولا أحد يشك في ذلك أو يناقشه، لذلك قضية الأمن الفكري ومحاربته لا تحتاج إلى داعيات بقدر ما تحتاج إلى توعية تبدأ في المؤسسات التربوية الخاصة بالنساء من مدارس وجامعات وغيرها". التواضع عنوان شخصيتها ويرى "د.العجمي" أنّ "الداعية الحقيقية" إلى قيم دينية أو مبادئ أخلاقية، عليها أن تتحلى بصفات أهمها: أن تكون ذات وضع مثالي في أعمالها الفعلية التي تسهم بها في تنمية المجتمع، لا أن تكون متفرغة للدعوة فقط، كما يفترض أن تسمو بأخلاقها دون توجيه الكلمات والأوامر بضرورة اتباع سلوكيات محددة، وأن يكون التواضع عنوان شخصيتها، وعدم ادعاء المعرفة المطلقة نبراساً لها في كل حوار مع غيرها، وأمّا ضرورة أن تكون "متدينة"، أوضح "د.العجمي" بأنّه ليس من شروط مَن يقوم بتلك المهمة أن يبدو ذلك من شكلها، أوممارستها للعبادات، أوما تحمله من شهادات. دور المرأة في الحياة وفي هذا الجانب تقول "الحسين": "إذا كان الحديث عن الداعية بشكل عام فأعتقد أنّ من أهم صفاتها العلم والحكمة وحب الخير للمجتمع، والنضج الفكري والقدرة الخطابية مع ارتفاع نسبة الإنسانية لديها بشكل كبير، وعدم التسرع في إصدار الأحكام المعلبة والجاهزة، وعدم تقسيم المجتمع بناء على نظرتها الخاصة، كما أنّه من المهم جداً أن يكون لديها نضج فكري بحيث تفرق ما بين ثوابت الدين وما هو قشور ومظاهر اختلافية، فمن المهم للداعية أن تكون متفهمة لدور المرأة في الحياة، ولا تحاول تحجيم دورها بالنظرة التقليدية الضيقة". وأضافت: من المهم أيضاً في نظري أن يكون لدى الداعية الاستقلالية الفكرية بحيث لا تكون صدى فقط لصوت بعض الدعاة الرجال تسمع أشرطتهم وتعيد بثها كما هي دون ترشيح أو فلترة أو تحليل، وللأسف أن بعض الداعيات ينقصهن التفكير الناقد، ولا تتحلى به فهي تعيد ما تسمعه فقط، والمؤلم أيضاً أنّ بعض الداعيات قمن بتقزيم وتقليص أهمية المرأة بحيث لا يتعدى الشكليات، وكأن جوهر الدين وروحه مقتصرة على الرجال وشكلياته على النساء. د.فالح العجمي د.العجمي: ليس بالضرورة أن تكون الداعية «متديِّنة» أو تحمل شهادات عليا وأشارت "الحسين" إلى أنّ المجتمع في زمن العولمة بأمسِّ الحاجة لداعيات واعيات يستطعن ربط المجتمع بهويته الإسلامية، وبما أنّ القرار جاء للحفاظ على الأمن الفكري ففي هذه الحالة من أهم صفات الداعية: الإطلاع على التحديات الفكرية الحديثة وكيفية صيانة الأسرة منها، وأن يكون لديها تفكير ناقد تحليلي تستطيع من خلاله فهم التحديات الثقافية التي تواجه الأسرة، كما أنّ من الصفات المهمة التحلي بالانفتاح الفكري وعدم الانغلاق والرفض السريع لكل ما هو غير معهود دون التفكير بفائدته للمجتمع. جهات الأمن الفكري وعن فرضية أن تكون المتحدثة في الأمن الفكري منتسبة لجهة دينية، قال "د.الخشيبان": "لنبدأ من فرضية أنّ المجتمع كله متدين، وعلى ذلك فنحن عندما نناقش قضية الأمن الفكري نحتاج إلى متخصص وليس أكثر، وإذا كنا نركز على النساء في عملية التوعية في مجال الأمن الفكري فيجب علينا الإجابة على سؤالين مهمين الأول: مَن هم المستهدفون بعملية التوعية بالأمن الفكري وأيُّ الفئات العمرية من النساء؟ أما السؤال الثاني في أي بيئة نسائية يمكن أن يتم تقديم جرعات الأمن الفكري؟"، وأضاف: إذا استطعنا الإجابة على هذين السؤالين فسيكون من السهل علينا تحديد أهداف التوعية بالأمن الفكري لذلك يصبح من الواضح أنّ عملية التوعية بالأمن الفكري عملية تربوية بالدرجة الأولى، وليست عملية عقدية بل هي معرفية وتحتاج إلى مهارات تدريبية تمكن النساء من فهمها والتعامل معها بشكل واضح ودقيق يحقق الأهداف المرجوة من هذا العمل. الأندية الرياضية النسائية ومن جانبه قال "د.العجمي": "المحافظة على الأمن الفكري قضية لا تبدأ من تجنيد الناس – رجالاً ونساءً – للدعوة فقط بل بإنشاء أندية رياضية وثقافية نظيفة في الأحياء، وصناعة تعليم خلاّق يدعو إلى الإبداع، ويجعل عقول أفراد المجتمع قابلة للتفكير ومنقذة لهم من الاستغلال من أي جهة داخلية أو خارجية"، مضيفاً: كما يؤدي إلى هذا الهدف وسائل الإعلام المفتوحة التي يشترك في إدارتها وتصميم برامجها شباب المجتمع وفتياته في جو صحي تنافسي. الحسين: على الداعيات عدم الانغلاق أوالرفض السريع لكل جديد.. وأكد أنّ مايحتاجه المجتمع فعلاً هو أسلوب المعالجة الثنائية المتزامنة، وإزالة التبجيل الذي نجحت أيديولوجيات حركات إسلامية معينة في زرعها بين ظهرانينا لرموز تيارات محددة، مشيراً أنّ عمليات الانفتاح لم تعد مقبولة ولن تكون برامجها ناجحة – لدى بعض فئات المجتمع – ما لم يقد مقاليدها أو يباركها أحد تلك الرموز، وقد وعت بعض الرموز تلك الأزمة المجتمعية فتشددت لجني مكاسب أكبر، واندفعت أطراف أخرى منها لتحقيق فرص الظهور واستغلال الفرص التي يقدمها لمجتمع يُعتقد أنه لا يتعلم من أخطائه. نبذ الخوف ودعا "د.العجمي" إلى ضرورة تغيير الأفكار التي لا تتحقق إلا بنبذ الخوف من دواخلنا ومواجهة الوضع الذي نعيشه في ظل ازدواجية مريرة، فنحن نقول عن أنفسنا إننا أفضل الناس ومع ذلك نحتاج إلى كل هذا الضخ الهائل في المدرسة ووسائل الإعلام ليصل الأمر بوزارة الشؤون الإسلامية أن تعتقد بأن هذا المجتمع الذي يعاني من تخمة في التوعية الدينية بحاجة إلى داعيات يرسلن إلى النساء في بيوتهن أو مدارسهن أو غيره. أما "الحسين" فترفض بشكل قاطع أن تكون المتحدثة حول الأمن الفكري من جهة دينية، قائلةً: "مِن المهم إشراك التربويات والمتخصصات في العلوم السياسية والإعلام، لأن هؤلاء يستطعن مساعدة الأسرة على مواجهة أزمة الأمان الفكري".