أعلنت لجنة السوق المفتوحة في البنك الإتحادي الفيدرالي عن برنامج جديد لسياسة التيسير الكمي من خلال شراء سندات وأوراق حكومية. وعلى الرغم من أن هذه هي المرة الثانية التي يستخدم فيها مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذه السياسة النقدية غير التقليدية، فقد طلب المجلس من المتعاملين بالسندات والمستثمرين الإفصاح عن توقعاتهم بشأن حجم الأصول اللازم شراؤها خلال الأشهر الستة المقبلة، بالإضافة الى الأثر المحتمل على هيكل العوائد، وذلك ضمن سعي الإحتياطي الفيدرالي في تقييم الأثر المحتمل لجهوده الجديدة في تحفيز النموالاقتصادي. إن هذه السياسة تتعلق بقيام الاحتياطي الفيدرالي بشراء أدوات الدين الحكومية طويلة الأجل من السوق عن طريق إصدار المزيد من الديون قصيرة الأجل وتوسيع القاعدة النقدية في جانب الخصوم في ميزانيته. وتتضمن القاعدة النقدية بالإضافة الى النقد المتداول الإحتياطيات النقدية لدي الفيدرالي (وهي قروض قصيرة الأجل يلتزم الإحتياطي الفيدرالي بدفع فائدة عليها تعادل ما تدفعه الحكومة على الأذونات). وهذه السياسة تهدف الى خفض أسعار الفائدة طويلة الأجل في محاولة لاقناع المستثمرين على الاستثمار في القطاعات الإقتصادية الحقيقية وإقناع البنوك على توسيع الإقراض، من أجل دفع النشاط الاقتصادي. إلا أن الكثير من الإقتصاديين يرون أن هذه السياسة غير المباشرة غير مضمونة النتائج لا سيما في الظروف الراهنة. حتى أن رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي نفسه قال أنه ليس هناك ما يؤكد ان السياسة النقدية في فترات التضخم المنخفض ستكون واضحة النتائج. في الجولة الأولى من سياسات التيسير الكمي في عامي 2008 و 2009 قام الاحتياطي الفيدرالي بضخ نحو 1.7 تريليون دولار إستخدمها، في شراء سندات الخزينة، وديون شركات تمويل الرهن العقاري مثل فاني ماي وفردي ماك، وأدوات مالية أخرى مدعومة بقروض الرهن العقاري. وقد ساعد ذلك الإجراء في تنظيف ميزانيات البنوك مما كان يطلق عليه حينها بالأصول المسمومة، الأمر الذي أعاد الثقة للأسواق. إذًا فقد هدفت سياسة التيسير الكمي الأولى الى مبادلة الحكومة الأصول الخطرة المرتبطة بالرهن العقاري في مقابل النقد الخالي من المخاطر. أما الآن، فيحاول الاحتياطي الفيدرالي بمبادلة النقد مقابل أصول لا تقل أمنًا عن النقود السائلة. إحدى القنوات التي يمكن لهذه السياسة أن تعمل من خلالها هي توفير السيولة للبنوك في مقابل الأصول غير النقدية لحملهم على تقديم قروض للقطاع العائلي وقطاع الشركات. ولكن المشكلة التي تعيشها البنوك الأمريكية في الوقت الحالي لا تتعلق بشكل أساسي بحجم احتياطياتها، وإنما مردها الى عدم قناعة البنوك بكفاية العائد الذي ستجنيه على هذه القروض في مقابل المخاطر المرتبطة بها. قناة أخرى ممكن ان ينفذ من خلالها أثر سياسة التيسير الكمي الحالية يتأتى من خلال مبادلة الاحتياطي الفيدرالي النقد (وهو أصل لا يدر عائدا) بالسندات الحكومية (وهي أصول تدر عائدا). وهذا الإجراء يقلل من المعروض من السندات وجعلها أكثر تكلفة، وتشجيع المؤسسات الإستثمارية الكبيرة الى تخفيض إستثماراتها في أدوات الدين الحكومي والإتجاه أكثر للإستثمار في الاقتصاد الاميركي الحقيقي. ولكن هذا التحليل قد يبدو مستبعدًا سيما وأننا نتحدث عن سوق السندات الضخمة التي تبلغ قيمة 8.5 تريليونات دولار. وفي هذا الخصوص، يرى بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد في 2008 ، أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج لشراء ما قيمته 10-8 ترليونات دولار من هذه السندات حتى نرى تأثيرًا لهذه السياسة في الاقتصاد الحقيقي. أما الطريقة الثالثة في تأثير هذه السياسة في الإقتصاد فيتأتى من خلال دفع أسعار السندات للإرتفاع، مما يحسن من وضع الميزانيات العمومية لبعض كبار المستثمرين في الأوراق المالية ذات الدخل الثابت، ما يجعلهم يشعرون بأنهم باتوا أكثر ثراء، وبالتالي زيادة شهيتهم لتحمل مزيد من المخاطرة. ولكن سياسة الاحتياطي الفيدرالي هذه لا تغير في العوامل الاساسية للاقتصاد. فإذا كان هناك فرص استثمارية جيدة في الاقتصاد في الوقت الراهن فإن كبار المستثمرين سيستغلونها بغض النظر عن السياسة. الإتجاه الذي يفكر فيه العديد من الإقتصاديين يتأتى من التأثير في معدل التضخم المتوقع. حيث إن ضخ السيولة في الإقتصاد بشكل إستثنائي سيؤدي الى زيادة التضخم المتوقع. فإذا كانت توقعات الشركات والمستثمرين تشير الى إرتفاع معدلات التضخم في المستقبل، فإن ذلك سيولد لديهم الحافز لمزيد من الاستثمار في الوقت الحالي. ولكن معدلات التضخم الحالية تعد منخفضة جدا، في اقتصاد يبلغ حجمه 14 تريليون دولار. فكم يا ترى سيكون هذا الأثر؟ وأخيرا، لا أحد يتجاهل تأثير هذه السياسة في تحسين وضع الميزان التجاري من خلال تخفيض قيمة الدولار؛ شريطة أن لا تعمد البلدان الأخرى على إبطال أو محاكاة ذات السياسة. اللافت أن تأثير سياسة التيسير الكمي التي إستخدمها الإحتياطي الفيدرالي سابقًا لم يتأت من أي من القنوات السابقة. رئيس الإحتياطي الفيدرالي نفسه فضل أن يسميها آنئذ "تيسير الائتمان" بدلا من "التيسير الكمي". ما تبناه الإحتياطي الفيدرالي سابقا كان يهدف الى تنظيف ميزانيات البنوك من الأصول الرديئة وتحقيق الاستقرار في سوق الاسكان المتراجعة. أما في الوقت الراهن فالأصول الرديئة ليست المشكلة، المشكلة تكمن في ضعف الاقتصاد الذي أدى إلى خلق الطلب المفرط على الأصول الآمنة.