مذ قال (علقمة الفحل) هذا البيت المشهور، والعرب يرددونه على مرّ الدهور، في كتب الأدب وأخبار النساء وطبائعهن، وفي المجالس حين يدور الحديث حول المرأة.. والشاعر يؤكد أنه خبير بأدواء النساء طبيب: «فإن تسألوني عن النساء فإنني بصير بأدواء النساء طبيب إذا شاب رأس المرء أو قل ماله فليس له في ودهن نصيب يردن ثراء المال حيث علمنه وشرخ الشباب عندهن عجيب» وإذا بدأنا بالبيت الأخير فهل تفضيل الشباب مقصور على النساء دون الرجال في الحب والزواج؟ بل هل يغلب ذلك على النساء مقارنة بالرجال؟ والجواب أنّ العكس هو الصحيح.. فالرجال هم الذين يهربون من النساء المسنات أكثر من هرب النساء من الرجال المسنين بكثير. بل إن كثيراً من النساء تفضل الواحدة منهن عند الزواج الرجل الناضج الذي قارب الأربعين ولاح الشيب في عارضيه، على شاب في الخامسة والعشرين. ولم نسمع أو نر شاباً يفضل امرأة قاربت الأربعين (وهو أقل من الثلاثين) إلا إن كان طامعاً في مرتبها الكبير أو مالها الكثير أو تكون هي زوجته الثانية أو الثالثة أو يكون من نوع زواج المسيار. وفي عصرنا هذا خاصة، كثر زواج الطامعين في راتب الزوجة، وإن كان كثير منهم لا يفعل ذلك عن طمع بل عن خضوع للواقع وتحكيم للعقل، فهو يريد أن يتعاون معها على تكوين أسرة سعيدة ومواجهة أعباء الحياة المتزايدة وتربية الأولاد وتعليمهم بشكل جيد، وهذا لا غبار عليه طالما كان في حدود التعاون الاختياري المصحوب بالمودة والاحترام والتفاهم.. أما الطامعون في راتب الزوجة، أو مالها الذي ورثته - وما أكثر الوارثات، فلم يبدأوا زواجهم بنية حسنة، ولم يكن هدفهم هو ذلك الهدف الطبيعي والسامي في تكوين أسرة سعيدة والتعاون على توطيد الاستقرار وتطوير الأسرة والتنعم بالمودة والرحمة. والزواج هو أعظم شراكة في الحياة، وأي شراكة لا تبنى على النية الصالحة والاخلاص والأمانة فإن مآلها الشقاق والخصام وشقاء الشركاء، وقد ورد في الحديث الشريف قال الله عز وجل «أنا ثالث الشريكين فإذا خان أحدهما خرجت من بينهما» والزواج بنية الاستيلاء على جزء كبير من مرتب المرأة مبني على الخيانة مع سبق الترصد والاصرار، إذا كان ذلك هو الدافع الوحيد، وهو في هذا العصر - مع الأسف - موجود عند كثيرين، وبعضهم يقايض زوجته العواطف بقدر ما تدفع له، ولا يرق ويلين إلا قبل صرف الراتب بقليل.. إن المرأة تفضل الرجل الغني طبعاً ولكن ليس بسبب الطمع في المال فقط، ولكن لأن قدرة الرجل على اكتساب المال تدل على أنه قوي الشخصية، محنك، مقدام، وقادر على الفوز بحصة كبيرة من متاع يتقاتل حوله كل الرجال.. وهو المال. أخيراً فإن هناك شابات في عمر الزهور يعشقن الشيب في الرجل، ربما لأنه يذكر الواحدة منهن بأبيها الحنون، أو لأنها يتيمة محرومة من حنان الأب، أو لاعتقادها بأنه أكثر نضجاً، كما في الفيلم السينمائي المشهور (العذراء والشعر الأبيض) قصة إحسان عبدالقدوس وبطولة شريهان ومحمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد. الخلاصة أن بيت علقمة الفحل الذي يردده أكثر الرجال لا يعيب المرأة في شيء، كما أنه يحتاج إلى فهم أعمق..