خبر صغير نشرته إحدى الصحف منذ أيام، أثلج صدري، مفاده أن عددا من كبار السن في قرية فرع الجبل التي تقع على بعد 110 كيلومتر شمال غربي نجران، نظموا حفل تكريم للوزير الراحل الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي – رحمه الله- عرفانا بجهوده في إيصال التيار الكهربائي لقريتهم قبل ثلاثة عقود. وذكر متن الخبر أن مسنين في قرية فرع الجبل أحيوا أمسية شعرية بمناسبة لقائهم بالراحل غازي القصيبي كأول وزير يصل قريتهم عبر طرق صخرية وعرة من خلال سيارات الدفع الرباعي، حين تفقد إبان توليه وزارة الكهرباء قبل نحو 30 عاما القرية ووعد أهلها بتوفير التيار الكهربائي، بعد عام من الزيارة، وهو ما تحقق فعلاً. وذكر الخبر أيضاً أن شباب قرية فرع الجبل قد نظم دورة في كرة القدم حملت اسم وزير العمل السابق وأطلقوا على ملعب القرية اسم "ملعب القصيبي". ويتذكر الأهالي أنهم التقوا وقتذاك القصيبي حاملين الفوانيس التي كانوا يعتمدون عليها في إضاءة منازلهم، تعبيرا عن مدى حاجتهم للتيار الكهربائي. تذكر مسنو تلك القرية لغازي القصيبي وزيراً ، جعلني استعيد إجابته على تحقيق صحفي حول الرواية والشعر: أيهما ديوان العرب؟ عندما أرسلت له – رحمه الله – إبان توليه حقيبة السفارة السعودية في لندن، محاور التحقيق الصحفي الذي نشر حينذاك في جريدة الرياض. أرسلت محاور التحقيق على فاكس السفارة السعودية في لندن، وكنت متخوفا من أن مشاغل السفارة واستقبالاتها خصوصا في عاصمة مثل لندن قد لا تعطي معالي السفير الوقت الكافي للرد على الأسئلة والمشاركة برأيه في التحقيق حول الرواية والشعر، وكنت أعد مشاركته مهمة جدا في التحقيق ، وتأتي أهمية رأيه من كونه شاعرا وروائياً. ولكن ما بدد خوفي من عدم مشاركته، هو وصول الرد بعد يومين فقط من إرسال محاور التحقيق الصحفي، حيث وجدت على مكتبي في الجريدة رد معالي السفير مرسلا بالفاكس. ومن ضمن رده على محاور التحقيق، يقول غازي القصيبي – رحمه الله -: " أنا أعتقد أن الشعر لا زال أقرب الفنون الأدبية إلى قلب الإنسان العربي، أما مقولة أن هذا "عصر الرواية " فرأي منقول عن الغرب . بالنسبة لي قلت وأقول ، وأظل أقول ، أن التاريخ إذا تذكرني فلن يتذكرني إلا شاعراً." غازي القصيبي كان يتحلى بتواضع جم، وهذا التواضع هو الذي قربه إلى قلوب الناس، فنجد أن مُسنِّي قرية فرع الجبل في منطقة نجران لم يتذكروا غازي القصيبي شاعرا أو روائياً أو سفيراً ، بل تذكروه وزيرا تجشم عناء الطريق ووعورته ليبدد الظلام عن قريتهم. رحم الله غازي القصيبي وأسكنه فسيح جناته ، فقد رحل جسدا وبقي عطاء وفكرا في قلوب محبيه.