** أزعجتني كثيراً كمواطن.. تصريحات السفير السعودي لدى الفلبين لصحيفة الوطن.. والمنشورة في العدد الصادر يوم الثلاثاء الماضي.. حول تعرض شاب سعودي يدرس الطب هناك على حسابه لحادث دهس أدخله في غيبوبة طوال ثمانية أيام حتى نشر الخبر وتلك التصريحات.. ** فقد سألت الصحيفة سعادة السفير عن الإجراءات التي اتخذتها السفارة فور تلقيها خبر الحادث فقال بهدوء تام : ( ان السفارة تلقت بلاغاً عن الحادثة وتم إرسال مندوب من السفارة إلى الموقع لتوفير إخلاء طبي لنقله إلى مانيلا).. ** وسئل أيضاً عن دور السفارة في تحمل تكاليف العلاج التي بلغت (80) ألف ريال خلال (8) أيام .. فقال بنفس الهدوء.. (ان السفارة لا تتحمل تكاليف العلاج ، وليس لديها بند لمعالجة الرعايا.. مشيراً إلى ان هذه مسؤولية والده ومن يهمه أمره ، مؤكداً ( ان دور السفارة هو تسهيل الاجراءات والمتابعة فقط وليس دفع تكاليف العلاج ).. ** فهل هناك ما يستثير المشاعر.. ويصيب الانسان بالصدمة أكثر من هذا الكلام المؤلم.. ليس فقط لأسرة الشاب المصاب (عبدالعزيز فلاح الرشيدي).. وإنما لكل مواطن في هذه البلاد .. بل ولأي انسان لا صلة له .. لا من قريب ولا من بعيد بإنسان آخر تعرض لإصابة مميته كهذه في بلد غربة.. وجاءت سفارة بلده لتعلن على رؤوس الاشهاد بأنها ليست مسؤولة عنه .. ولا عن حياته (!) .. ** وليأذن لي سعادة السفير ( أولاً).. ووزارة الخارجية (ثانياً) وأي جهة حكومية في البلد (ثالثاً) بأن أقول إن المواطن هو مسؤولية الدولة .. وإن حمايته.. وتأمين سلامته.. وتقديم العون له في مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة.. بل وفي كل ظرف يتعرض فيه المواطن لمكروه..هو جزء من هذه المسؤولية المطلقة.. ** ليأذن لي الجميع بأن أقول بأن المواطن امانة في عنق كل مسؤول.. وان التحدث بمثل هذه اللغة (الجافة) عن مصير مواطن تعرض لمثل ما تعرض له هذا الشاب في بلد الغربة.. هو انتقاصٌ من مواطنة هذا الانسان ومن حقوقه.. بل انه انتقاص من وظيفة سفير اختارته الدولة لهذا الموقع لكي يكون ممثلاً لها.. ومسؤولاً عن ابنائها المغتربين ومكلفاً بأن يقدم لهم ما تفرضه عليه إنسانيته وآدميته.. قبل مسؤوليته الوظيفية وواجباته العملية.. ** وإذا كانت الأنظمة والاجراءات عقيمة.. وقاصرة ..ومقصرة .. فإن ضمير المسؤولية الذي يتوجب على كل سفير ان يعمل تحت مظلته .. يفرض عليه ان يتصرف بشكل مختلف.. وان يعمل بشتى الوسائل (أولاً) على نقل هذا المواطن بطائرة اخلاء طبي سعودية إلى أرض الوطن لاستكمال علاجه وانقاذ حياته ، و(ثانياً) بالتخاطب سريعاً مع مرجعه لتأمين كلفة علاجه في البلد الذي تعرض فيه لمكروه وبكل ما يترتب على ذلك .. لأن الوضع مأساوي.. والعلاج في هذه الحالة لم يكن من باب استزادة الخير.. وإنما كان بفعل الحاجة إنقاذاً لحياة مواطن.. ** وعلى قدر علمي.. فإن هذه البلاد.. وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين .. وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني ، وكذلك سمو وزير الخارجية لا يقبلون بأن يتعرض مواطن لما تعرض له هذا الشاب ويكون الموقف الرسمي هو كما صرح به السفير سامحه الله.. أو كما عكسته طبيعة الأنظمة الادارية والمالية العقيمة على الاطلاق.. ** فما أعرفه هو .. أن سفارة أي بلد.. مسؤولة عن حياة كل مواطن.. وان كل سفير لا يجب ان يستسلم للأنظمة والقوانين والاجراءات الجامدة.. فيقف موقف سعادة سفيرنا في الفلبين تجاه أحد ابناء وطنه الذين يفترض ان يكون مسؤولا عنهم ما دام ان الدولة قد وضعت هذه الأمانة على كاهله.. ** ولو كنتُ في مكان سعادة السفير.. لتركت كل مهامي الوظيفية ولبادرت بالوقوف على نفس الحالة بنفسي.. ولما اكتفيت بإرسال مندوب وبأي درجة من الدرجات ليوافيني بتقارير جامدة ودون صلاحيات نافذة لمواجهة الموقف.. ** ولا أستبعد ان يكون الشاب الفاقد للوعي.. قد واجه الكثير من المعاناة.. ومن الاهمال.. وان قضيته قد تحولت إلى معاملة روتينية تدور بين المستشفى وبين سفارتنا في مانيلا.. انتهت بجملة ( نحن لسنا مسؤولين عنه ) كما صرح السفير بذلك على الملأ.. ** والحقيقة ان هذه الواقعة تؤكد مدى الحاجة إلى ان يدرك سفراء المملكة العربية السعودية في أي مكان من هذا العالم بأن وظيفة السفير وأمانته ومسؤولياته تجاه المواطن تفرض روحاً مختلفة .. ونمطاً معيناً من الشخصية الوطنية المتميزة.. وعقلية خلاقة.. تعمل على حل المشكلات.. ولا تعجز امام أتفهها أو أبسطها .. والا فكيف يمكن لهم ان يمثلوا هذه البلاد امام دول العالم الأخرى وشعوبها.. اذا هم كانوا غير قادرين على تحمل مسؤولياتهم تجاه ابناء بلدهم الموجودين في بلدان الغربة.. وهم يتعرضون لما تعرض له هذا الشاب؟! *** ضمير مستتر: **(لا يتحمل المسؤولية إلا من كان في مستواها ولا يعجز عن القيام بها .. الا من افتقد أبسط الخصائص للاضطلاع بها في أي موقع).