"ما إن حطت الطائرة على الأرض، حتى بدأت موسيقى ناعمة تنبعث من معزوفة عذبة من معزوفات الخنافس "الغابة النرويجية"، كان اللحن دائماً، يبعث فيّ رجفة من نوع ما، لكنه هزني هذه المرة أقوى من السابق". بهذا المقطع في افتتاحية رواية الغابة النرويجية للياباني هاروكي كوراكامي، يتم تخليد هذه الأغنية عبر عمل سردي جاء بعد صدورها باثنين وعشرين عاماً في العام 1987م، مع مقاطع أخرى تتناثر في ثنايا الرواية الأشهر لأبرز روائيي اليابان المعاصرين، والذي عرف عنه تأثره بالأغنية الغربية وفرقها الموسيقية الرائدة كالبيتلز نموذجاً. لعل الغابة النرويجية لو صح لنا ترجمتها بهذا الاسم عطفاً على خلل التسمية اليابانية "نوراي نو موري"، هي أول أغنية روك تستخدم السيتار في بنيتها اللحنية، كما أنها أحد أكثر أغاني البيتلز أثراً لبنيتها السهلة الممتنعة، حيث تدور في سلم منخفض من النوتات المفتوحة، في نوتة من الإي الرئيسية، وقد تكون إحدى الأغاني القلائل التي كتبها جون لينون تروي القصة كاملة، على الرغم من الكلمات القليلة التي نجدها في نص القصيدة الغنائية. دقيقتان وأربع ثوان فقط هي مدة هذه الأغنية التي صنفتها مجلة الرولينغ ستون في المائة الأولى من أفضل خمسمائة عمل غنائي على مر التاريخ، باستحقاق موسيقي يدل عليه الأثر الذي صنعته الأغنية في إعادة التسجيل الضخمة للأغنية من قبل العديد من المغنيين والفرق وبلغات مختلفة، كما أن اسم الأغنية استخدم دلالياً وبشكل متعدد في أماكن كثيرة من ضمنها النرويج التي أسمت مهرجانها الموسيقي السنوي بأوسلو "الغابة النرويجية". تدور حكاية الأغنية عن علاقة تصنف في كثير من الروايات النقدية على أنها مما يطلق عليه في الغرب "علاقة الليلة الواحدة"، حيث تدعو فتاة شاباً إلى شقتها، تستعرض بديكور الشقة الرخيص المصنوع من خشب رخيص يسميه لينون "الخشب النرويجي" متأثراً بالتسمية التي اعتاد بول مكارتني إطلاقها على هذا النوع من الخشب، تعرض الفتاة بلطف عليه الجلوس في أي مكان يرغب به، يلتفت يمنة ويسرة ولا يجد كرسيا يجلس عليه فيختار الأرض، وفي الأخير يجده نفسه مستلقياً للنوم في حوض الاستحمام، وفي الصباح عندما يستيقظ يجد نفسه وحيداً، لقد حلق الطائر بعيداً، وتركه في حالة يرثى لها، يتملكه الغضب للاستغلال الذي تعرض له، شعوره بالدونية والانتهاك يقوده للانتقام، فيحرق الخشب النرويجي أو الشقة بمعنى أصح. تحفظ لينون في تصريحاته عن الأغنية يعزى إلى كونه كان متزوجاً بزوجته الأولى سينثيا، على الرغم من أن هذا الزواج عانى كثيراً ولم يدم بعد الأغنية سوى عامين أو ما يزيد قليلاً، وهو ما جعل الأغنية تتحدث عن تجربة حقيقية سوى في حادثة الحرق، أكدها أكثر من عضو في البيتلز على رأسهم مكارتني، وهو ما خلق مزيد انتشار للأغنية، التي ظلت تطارد لينون في كل لقاء صحفي أو تلفزيوني، ومع اتهامات المغني الأمريكي بوب ديلان للبيتلز في أغنيته الساخرة "للمرة الرابعة على التوالي" باستنساخ بنية أغانيه اللحنية، كانت الفرقة تراهن على الكلمات في مقابل البنية اللحنية، وهي حقيقة ميزت الأغنية من بين أعمال كثيرة للبيتلز. بنية الأغنية اللحنية بغض النظر عن اتهامات ديلان، تتميز بلحن السيتار كما أسلفنا، والذي تعلمه جورج هاريسون على يد رافي شانكر العازف الهندي الشهير، والذي قاده في نهاية المطاف إلى حركة هاري كريشنا، هاريسون أكد في أكثر من لقاء بأن الأغنية بدت ناقصة على الدوام، ولم تكتمل إلا بطقس السيتار، وهو ما لا يمكن إنكاره بالفعل، ومع مكارتني شريكاً في الكتابة اللحنية للقسم الثامن من الأغنية، ورينقو ستار بطرقات الأصابع على الصنج النحاسي، تم تسجيل الأغنية على أربع مرات، سجل آخرها بعد التوزيع في ألبوم الفرقة "الروح المطاطية" دلالة على الروح البريطانية في ذلك الوقت كما تصور "مكارتني" مقترح الاسم. تستحق "الغابة النرويجية" التقدير الكبير الذي تحظى به من محبي الروك والبيتلز ولينون على حد سواء، لذا لم يكن اعتباطاً أن يجعلها موراكامي المعزوفة رقم خمسين والتي تعزفها رايكو لواتانابي في لقائهما الأخير، ليغلق الفصل الأخير من الرواية المدهشة والتي اختار لها ساردها عنواناً مشتركاً مع كثير من العناوين داخل عالم الموسيقى الغربية وخارجه.