استعرضت في لقاء أمس بروز ظواهر غريبة ليست بالجديدة، ولكن ما يثير الدهشة ليس أنها أتت من أصحاب مواقع مرموقة اجتماعياً وإنما بتقارب الظن والاحتمال بأن تكون لها قابلية تطبيق وأن من برزوا فيها ليسوا من العامة أو ذوي العزلة تعليماً ووعياً.. ما يفترض هو العكس.. مسألة السحر.. تفسير الأحلام.. علاج الرقية.. نحتاج إلى استقصاء للماضي العربي الإسلامي لكي ندرك أن التحايل على الواقع أو سلبية الخمود جهداً ورأياً بما هو سهل التداول من سطحية الرؤية للحدث أو الموقف أو الرأي.. الأمر الذي يكشف لنا حين نراجع التاريخ الإسلامي نجد أن وسائل الانغلاق وتمكينه في حياة الناس كان بعضاً متمكناً في مفاهيم المجتمع وبالذات في العصرين الأموي والعباسي وفي الوقت نفسه يؤدي تراجع الوعي وتنوع الثقافة إلى هذا الانكفاء الذي يجعل البسطاء الأقرب إلى القناعة ثم تصبح ثقافة يستخدمها الآخرون.. إن هذه السلبيات ليست وحدها المؤثر على نوعية الوعي وكذا نوعية التصرفات في عالمنا الإسلامي، فمنذ القرن الثالث الهجري نشأ اعتقاد يجزم بوجود إمام منتظر آت في «آخر الزمان» لكي يملأ الأرض عدلاً ويدحر الظلم، وقد تأكدت شخصيته عند الشيعة والسنّة لكن باسمين مختلفين.. أريد أن أقف عند ربطهم ومهديهم المنتظر تاريخياً ب «آخر الزمان».. ألا يصح ضمن أحداث الواقع ونوعيات علومه وتطورات وسائله العلمية والتقنية ومستويات مجتمعات.. ألا يصح أن نتساءل ما إذا كنا نمر بآخر زمن أم أننا نباشر الدخول في أول زمن.. كانت مسألة آخر زمن تبيح للمتطرفين والطامعين بالحكم إحداث الشغب ومعاداة دولتهم ورفع شعار الولاء لمن يقاطع حكومته والبراء ممن يواصل الانتماء إليها وهو ما فعله جهيمان، ويتضح في مجتمعات شيعية أخرى كوسيلة تغيير، حيث يعتبر وقت وصول المهدي «سنياً وشيعياً» قريباً جداً لأن البشرية تمر بزمنها الأخير.. ليت هناك إمكانية توزيع كتاب «صدمة المستقبل» لمؤلفه «ألفين توفلر» الذي تم نشره في سبعينيات القرن العشرين.. القرن الماضي.. في الكتاب يتحدث المؤلف عن تعدد وسائل ميلاد عصر علمي مرموق منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن العشرين مدللاً ببراهين عليه كثيرة.. مثلاً ما كان يستعمله أي امبراطور أوروبي في مستهل القرن التاسع عشر كوسيلة نقل لم يكن يختلف كثيراً عما كان يستعمله امبراطور آخر قبل خمسمائة عام أو أكثر.. وسائل السيطرة على الجو.. التبريد.. الطائرة مع الجمل أو الحصان.. وسائل حفظ الطعام.. خفض تكلفة بناء السكن فيما يسمى بالبناء الجاهز.. قفزات أنواع الدواء.. عمليات الجراحة.. وسائل النقل «السيارات».. تغيير مستويات الزراعة.. أليس من الصعوبة بمكان.. بل ربما المستحيل أن توجد في مجتمعك أي إمكانية تفاهم بين من يحرك عقله بالجزم أنه يعيش تجدد بداية زمن العلم والمعرفة داعمان للدين وبين من يعتقد أنه يعيش عصر النهاية حيث يحاصره زمنه الأخير ولا حل عندهم إلا بوصول المهدي المنتظر..