التحية مني خالصة لإخواني وأخواتي من الأساتذة والمربين والمربيات أصحاب الرسالة العظيمة، المؤتمنين على أغلى ما يملكه المجتمع؛ فلذات الأكباد، الشباب والشابات، رجال ونساء المستقبل، وأقول لهم - بمناسبة العام الدراسي الجديد - ما أردده دائماً.. لقناعتي به.. والمتمثل في الآتي: إن الظروف التي تمر بنا ونمر بها ظروف حرجة صعبة، فالفتن مُستيقظة، والأخطار متربصة، ولابد من استشعار ذلك بشكل واضح، ووضعه في دائرة الضوء وبؤرة الوعي، ولابد - بعد الاعتماد على الله سبحانه، وصدق اللجوء إليه - من العمل الحثيث على درء الفتن، ونسيان الخلافات، وتآلف القلوب، والتعاون، والتآزر لتحقيق معنى «الجسد الواحد». إن العواصف شديدة، والرياح عاتية، وما لم نأخذ بأسباب الوقاية التي ذكرت بعضها قد نجر الويلات إلى بلدنا، وهذا منتهى آمال الأعداء والخصوم، الذين يسهل عليهم اختراقنا من هذه الثغرة - لا قدر الله -. من أهم ما يساعد على إيجاد أو بناء هذا الموقف الايجابي وجود قائد تربوي حكيم، يتمتع بخبرة طيبة في مجال عمله، والمدير هو القائد التربوي، والأخ الكبير، والمشرف المقيم، فلنحسن اختيار هذا القائد سواء في المدرسة أو في الجامعة ** ** ** نحن متفقون - بحمد الله - على أصولنا، وثوابتنا، ومصادر تلقينا: فنحن مجتمع عربي مسلم، مؤمن بالله ورسوله، كتابنا القرآن، وهدينا السنُّة، قبلتنا واحدة ووطننا واحد، هذه جوامع قوية، وأسس متينة كفيلة بلمّ أي جمع، ورأب أي صدع بإذن الله. ** ** ** الاختلافات التي بيننا طبيعية، ويجب ألا تفرقنا، فهي: إما أمور فرعية، أو مسائل ثانوية، أو قضايا قابلة للاجتهاد، اختلفت فيها آراء الأئمة، على امتداد عُمر الأمة، وحكمتنا في التعامل معها: «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية». في مجال التربية والتعليم على مختلف المراحل والمستويات، الذي هو ميدان عملكم وتحرككم فإن العامل الأول في النجاح، وتحقيق أكبر أهداف المجتمع هو: المعلم في المدرسة، والأستاذ في الجامعة، وأهم عامل لنجاح كل منهما وتألقه: هو أن يكون لديه موقف إيجابي في نظرته للحياة أولاً، ولرسالته ولعمله ووظيفته ثانياً. ** ** ** من أهم ما يساعد على إيجاد أو بناء هذا الموقف الايجابي وجود قائد تربوي حكيم، يتمتع بخبرة طيبة في مجال عمله، والمدير هو القائد التربوي، والأخ الكبير، والمشرف المقيم، فلنحسن اختيار هذا القائد سواء في المدرسة أو في الجامعة، وليكن معيارنا في الاختيار هو الكفاية والاخلاص، والاقتدار، ولنهمل ما عدا ذلك من الاعتبارات التي لا تنفع، بل قد تضر؛ كالعصبيات القبلية، أو الإقليمية، أو التوجهات الفكرية شريطة ألا تكون في جوهرها مخالفة لما عليه منهج هذه البلاد، أو الاهتمام بالمظاهر الشكلية دون الجوهر، وليكن شعارنا ما قالته ابنة شعيب - عليه السلام - عن سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام: (يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين). ** ** ** الطلاب والطالبات، أبناء المجتمع وبناته، أمانة في أعناقكم، يجب عليكم أن تحسنوا تعليمهم، وأن تحسنوا تربيتهم، ومن أهم ما يجب أن تحرصوا عليه؛ أن تجعلوهم يتشربون حب دينهم، وقيمه العظيمة، وتطبيق تعاليمه في واقع حياتهم بطرق عملية مفيدة، وأن تغرسوا في نفوسهم حبَّ الوطن، وصدق الانتماء إليه، والحرص على مصلحته، والغيرة عليه، وأن تعلّموهم كذلك (فنَّ الحياة)، ليعيشوا سعداء، منتجين، متفوقين، متفائلين، متعاونين، متحابين. ** ** ** ولا يغيب عن فكر أيّ من المعلمين والأساتذة أن مسؤولياتهم عظيمة، وقد اختلفت طبيعتها في الوقت المعاصر عن طبيعتها في الماضي، إذ كانت المؤسسة التعليمية هي المصدر الرئيس للمعلومة.. فكان الحرص أشد ما يكون على تحصيل هذه المعلومات من المؤسسة التعليمية، أما اليوم فقد تعددت وتيسرت عدة سبل تقنية وفنية لتحصيل المعلومة - مع تميزها بالجذب والتشويق أكثر مما هو في الفصل المدرسي أو قاعة المحاضرة.. حتى إن المحاضرات التقليدية لم تعد وحدها الطريقة في مدرجات الجامعات - كما أن الحفظ الأصم والتلقين الببغاوي أثبت عقمه وعدم جدواه اليوم.. إذاً.. ما بقي من رسالة المعلم في المدرسة، والأستاذ في الجامعة في هذا الشأن هو فتح الأبواب - أمام طلاب العلم للبحث عن المعلومة - والتنقيب عنها في مختلف مصادرها.. ليكون الطالب مشاركاً وقادراً على تحصيل العلم بجهده، وانتقاء ما يتناسب مع تخصصه وحاجاته وقدراته منه، مع تمحيصٍ وتدقيق في جدوى وقيمة ما يتعلمه. فعلى من يتصدى للعملية التعليمية أن يعلم أنه مسؤول عن الأخذ بيد طلابه إلى هذا النهج الجديد.. ليجعلهم قادرين على التفكير والاستنتاج، ويستخلصون بفكرهم وجهدهم الأنفع والأجدى؛ فهذا أبقى في عقولهم، وأنفع في حياتهم من المعلومات التي كانت ولاتزال تقدم كالأكلات الجاهزة، وهي أمور لا ترقى إلى أولويات ما ينبغي العلم به. ولقد أجمع علماء التربية وعلماء النفس على أن مهمة المعلم أصبحت التسهيل على الطلاب، والأخذ بأيديهم إلى مصادر العلم والتحديث المستمر فيه.. مشاركين له في الحوار، وخطوات البحث والتحصيل.. ** ** ** إن المعلم هو القدوة والمثال الذي يحتذى، وعلى شاكلته يشب الصغار، ويسيرون حين يصبحون كباراً.. فليكن هذا المعلم نموذجاً مثالياً راقياً في كل حركاته وسكناته، في سلوكه وأخلاقه، بل حتى في شكله وملبسه؛ فالطلاب يرون فيه النموذج الراقي الذي على شاكلته يكبرون، ولأخلاقه وأعماله يقلّدون، والصواب الذي يؤخذ به ويقتدى، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان المعلم هكذا حقيقة؛ لأنه لا فائدة من قول بلا عمل، وتوجيه بلا التزام، ويعلمنا القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون..). فليكن المعلم والأستاذ قدوة صالحة، ونموذجاً راقياً للسلوكيات والأخلاقيات علماً وعملاً. وللحديث بقية.. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدّنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.. (يتبع)