تجاوز سعر الذهب في عقود ديسمبر 1360 دولارا للأوقية في كومكس (نيويورك) الخميس الماضي قبل أن يتراجع إلى 1345 دولارا يوم الجمعة مع ارتفاع الدولار، فما زالت المكاسب مرتفعة مع توقعات تخفيف البنك الاحتياطي الفيدرالي للقيود النقدية مرة أخرى وطباعة المزيد من النقود لشراء المزيد من الديون، والذي سوف يعلن عنه في نوفمبر 2-3، ما سوف يمارس ضغوطا على أسعار الفائدة والدولار ويعزز ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في الأجل الطويل. كما جاء الدعم من تخفيض البنك الياباني لسعر الفائدة إلى ما بين 0.0 و0.1%. فمن المتوقع أن يرتفع الذهب إلى 1400 دولار قبل نهاية هذا العام، لكن هذا مقرون باستمرار انخفاض الدولار وارتفاع التضخم، وهو ما يدعم شراء الذهب هذه الأيام من اجل التحوط في العقود الآجلة. وكان ارتفاع الذهب في سبتمبر مدعوما بالطلب الموسمي من مصانع المجوهرات وبيع البنوك المركزية الأوربية فقط 6 طن من الذهب هذا العام من 400 طن مسموح لها بيعه. إن سعر الذهب تحدده أربعة عوامل هامة هي: إن الذهب سلعة يتأثر سعرها بالعرض والطلب، فيرتفع سعرها مع ارتفاع الطلب عليها؛ قيمة الدولار التي يتم تسعير الذهب على أساسها، فكلما ضعفت قيمة الدولار كلما ارتفع الذهب؛ دور الذهب كملاذ آمن أثناء الأزمات السياسية (الحرب والاضطرابات السياسية--)، فمعظم الأصول المالية لها مخاطر في الاقتصاد العالمي، فعندما تنخفض قيمة العملات باستمرار من قبل الحكومات أو تتعثر السندات أو الأسهم مع ضعف أداء الشركات يرتفع الذهب؛ دور الذهب كملاذ آمن أثناء الأزمات المالية والاقتصادية (التضخم، انهيار الأسواق المالية--)، لأن الذهب معدن بطبيعته ثمين ومخاطره محدودة وفي مأمن من الاستهلاك الحكومي وسلوك الشركات الخاطئ. فقد شاهدنا سعر الذهب في بورصة لندن يقفز 67%، 59%، 100% في 1973م (مقاطعة النفط)، 1979م (الثورة الإيرانية)، 1980م (الحرب الإيرانية العراقية) على التوالي. كما قفز الذهب 56% في كومكس ما بين منتصف 1982 وأوائل 1983 لتداعيات الركود الحاد في الولاياتالمتحدة والاضطرابات في الشرق الأوسط. وحدث ذلك مرات أخرى بين 1985 إلى 1987، عندما قفز الذهب إلى أكثر من 41% خلال فترة الحرب بين إيران والعراق، واستمرار الغزو السوفيتي لأفغانستان، وفي الوقت نفسه تباطأ الاقتصاد الأمريكي أثناء ما كان يسمى "الهبوط السهل" الذي توج بيوم الاثنين الأسود في وول ستريت. وعندما حشد العراق جيوشه على حدود الكويت في يوليه 1990، ثم غزوه في أغسطس، ارتفع سعر الذهب 17% في شهرين فقط، أما هجمات 9/11 فرفعت الذهب 10% على الفور. إن الذهب على اتجاه تصاعدي منذ عام 2000، وارتفع 353% مدعوما جزئيا بضعف الدولار وبشكل مطرد في عام 2008 مع ظهور الأزمة المالية. فما زال الطلب تدعمه قوى السوق في الهند والصين وخاصة بالنسبة للحلي الذهبية خلال الفترة المتبقية من 2010 واستثمارات التجزئة في أوروبا، حيث ارتفع إجمالي الطلب على الذهب في الربع الثاني 36% إلى 1050 طن في 2010 مقارنة مع الربع الثاني في 2009، ومن حيث القيمة ارتفع الطلب 77% إلى 40.4 مليار دولار، وطلب الاستثمار المنفذ خلال نفس الفترة بشكل كبير 118% إلى 534.4 طنا مقابل 245.4 طنا من نفس الفترة السابقة، وساهمت صناديق تبادل الذهب (ETF) بنسبة كبيرة 414% إلى 291.3 طنا وهو رقم قياسي. ومازال الطلب العالمي على المجوهرات قويا في الربع الثاني من 2010، حيث بلغ الاستهلاك 408.7 أطنان، فقط 5% أقل من مستويات السنة السابقة. كما شهد الطلب على المجوهرات الذهبية في الهند أكبر سوق للمجوهرات انخفاضا طفيفا 2٪ فقط أو 123 طنا بالعملة المحلية مقارنة بمستويات السنة السابقة، وهذا يترجم إلى 20٪ زيادة في قيمة الطلب إلى 216 مليار روبية، بينما الطلب في الصين على المجوهرات ارتفع 5٪ إلى 75.4 طنا، بنمو 35% إلى 19.8 مليار يوان. أما الطلب الصناعي فارتفع في الربع الثاني 14% إلى 107.2 أطنان مقارنة بالربع الثاني من 2009. وفي الربع الثالث ارتفعت أسعار قطع وسبائك الذهب 5% وبزيادة إجمالية 6%. * عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية