في فجر يوم الجمعة السادس عشر من شهر شوال 1431ه ومع اقتراب شمس ذلك اليوم من الإشراق والانتشار كانت هناك شمس أخرى تؤذن بالرحيل وتدخل في غروب لا إشراقة بعده لتختفي أشعتها الجميلة التي كانت تنشر ضوء المحبة والوئام بين الأهل والأحباب والأصحاب، ومع التسليم بقضاء الله وقدره إلا أن القلوب جبلت على الحزن في لحظات الفراق التي تعصر الأفئدة وتستمطر الدموع للتعبير عن ألم الفقد ولوعة الفراق. فكيف وشمسنا وفقيدنا الذي ودعناه في ذلك اليوم هو العم عبدالرحمن بن سعود بن معمر عميد الأسرة الذي كان لخبر وفاته وقع قاس على نفوس محبيه لأنهم سيفقدون رجلاً يعتد به ويعتمد عليه لقوة شخصيته ووجاهته ووفائه وشهامته. وإذا كان الناس هم شهود الله في أرضه فإن ما عبرت عنه قسمات المعزين الذين توافدوا من كل أطياف المجتمع وما حملته عباراتهم من كلمات مؤثرة تجاه الفقيد لدليل على ما كان يتمتع به رحمه الله من مكانة في القلوب وبشرى خير بمكانة طيبة في الآخرة بإذن الله فقد كان رحمه الله أحد الرجال الذين حملوا شرف خدمة الوطن وحظوا بشرف تقدير القيادة وهو سليل أسرة عريقة عرفت بصدق الانتماء والوفاء والإخلاص حيث أن جده عبدالرحمن بن معمر أحد الفرسان الذين شاركوا مع البطل المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله في مراحل التوحيد ثم عينه أميراً لعينين ثم تربة . كما عين والده سعود بن عبدالرحمن بن معمر أميراً لمحايل عسير لعدة سنوات . وكانت ولادة الفقيد في بلدة سدوس عام 1345ه وبها تربى ونشأ وبعد أن اشتد عوده انتقل للعيينة متطلعاً إلى العمل والنشاط ورأى أنه بحاجة إلى التعليم والدراسة ليدخل مضمار الحياة بسلاح المعرفة فاستأجر أحد الكتاتيب ليقوم بتعليمه، ولأنه متقد الذهن وحريص على العلم فقد تمكن من إجادة القراءة والكتابة في فترة وجيزة ثم انتقل بعد ذلك للرياض وتشرف بالعمل في ديوان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه فترة من الزمن ثم عاد إلى العيينة واتخذها مقراً لسكنه وتجارته وكان التوفيق حليفه في هذا المجال بفضل الله ثم بفضل شخصيته الرائدة ومروءته وأخلاقه الرفيعة وحسن تعامله مع الناس حيث توسعت تجارته وشملت مجالات عديدة من بينها اقتناء الخيل والمتاجرة فيها. ولأنه رجل حسن الذات فلم تزده تجارته ووجاهته إلا تواضعاً للناس وتواصلاً معهم كما كان مقصداً لأهل الفكر والأدب الذين يجدون المتعة والفائدة في مجالسته لحسن حديثه وقوة ذاكرته ودقة وصفه للأحداث التاريخية التي عايشها في حياته. ولا شك أن فقد هذا الرجل الشهم الذي يحمل عمادة الأسرة ويتقدم وجهاءها ويشرع بابه لضيوفها يعد رزءاً كبيراً ووقعاً مؤلماً للنفس، بل إنني شخصياً أعبر عن حالة خاصة من الحزن للعلاقة الحميمة التي تربطني بالفقيد والثقة القوية المتبادلة بيننا وسأفتقد تلك الأحاديث المعطرة برائحة التاريخ الجميل التي يشنف بها مسامعي كل ما اجتمعت به. لكننا أمام هذا الخطب الجلل لا نملك إلا التسليم والرضا بقضاء الله وقدره ومن ثم الدعاء له بالرحمة والمغفرة وأن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان وأن يجعل في أبنائه الخير والبركة ليواصلوا نهجه الطيب في الحياة والحمد لله على كل حال.