عندما نتحدث عن عكاظ يأتي بالأفق سريعا «سوق عكاظ وما كان يحدث فيه من مساجلات شعرية وتنافس شعري خلده التاريخ»، ولكن بين عكاظية الشعر بالطائف وعكاظية الشعر بالجزائر مفارق طرق.. فما الذي يأمله الأدباء من الطائف ووجدوه بالجزائر؟ ويرى الدكتور علي الرباعي أننا كمثقفين ندعو إلى تعدد المناشط والفعاليات الثقافية حتى لو أتحدت الأسماء، فعكاظ الموجودة في الطائف، وعكاظية الجزائر، تتشابهان في الاسم وتختلفان في المشروع. فنحن في المشاريع الكبرى ندعو إلى أن تنمو وتتكاثر وتصبح تراكميتها مرتبطة بفكرة المنافسة، والشعراء الزملاء الذين حضروا العكاظية أثنوا على هذه الفكرة الرائدة فيفترض أن يحصل نوع من التكامل، ولا مانع من الإفادة من تجربة عكاظية الشعر بالجزائر. ويضيف الرباعي: ينبغي أن نعيد تجاربنا فعكاظية الشعر بالطائف ستظل ذاكرة للوطن والمثقفين العرب يفترض بعد كل موسم أن نعيد قراءة هذه التجربة، وتقويمها لنخرج من دائرة الأفراد، فإذا كان هناك في عكاظيتنا، أو في عكاظنا الشعري فالأزمة ستظل في اختزال أفراد ورغبات معينة من القائمين على المشروع، وهنا ستذوب الفكرة وجمالها؛ لأنها لا تكتمل إلا في العمل المؤسساتي. نايف رشدان والثقافة التزام، لذا يجب أن نخرج من هذه الأطر التي تشوه الفكرة الشعرية. ويشير الرباعي إلى أن وجود خالد الفيصل في عكاظ منطقة مكة يجعلنا مطمئنين على طموحات الأمير وقدراته لن تخذلها التحديات، وكان يتغلب على المصائب ويفتح لنا أملا، سواء من خلال مؤسسة الفكر العربي أو جائزة أبها إلا أن الأمير يحسن الظن في كثير ممن يعملون معه ولكن بعض الذين يعملون معه يكونون أقل من حسن الظن. أما الشاعر إبراهيم طالع فيقول: فكرة (العكاظية) التي يصرُّ أهلنا في الأقطار العربية مشكورين على تفعيلها بشكل عالميّ راق.. كلكم تعلمون أن (عكاظ) عندنا - مكانا ومضمونا وتاريخا - تحاول جهاتٌ كثيرة منذ أمد إحيائها بشكل يليقُ بهذا المكان (جزيرة العرب)، وآخرها ما يعمل عليه الآن أحبّتنا في لجنة (سوق عكاظ) من محاولتهم إحياء هذه الفكرة التاريخية التي ابتكرها أوائلنا برقيٍّ حضاريّ منذ أكثر من 1500 عام. أثقُ في نوايا القيادات التي تتبنى إحياءها وفي مقدمتهم الأمير المثقف خالد الفيصل ثقةٌ عمياء لا تقبل الحوار، لكنني لا أثقُ في نجاعة ونجاح آليات التنفيذ؛ لأسباب كثيرة ليس أقلها أنه كان ينبغي أن يكون القائمون على سوق عكاظ من كبار مثقفي البلد، الذين يحملون فعلا هم التاريخ والمكان حملا ثقافياًّ حقيقيا لا يخضع لمصالح بسيطة يفقهها ويدركها مثقفونا ويتداولونها في الأوساط الخاصة. رئيس نادي الطائف الأدبي حماد السالمي يقول: في الجزائر نجحت فكرة (العكاظية) لأنها سخَّرت هذا المنبر بشكلٍ منهجيٍّ قوميّ عربي صريح (ولبعضهم أن يقول: عروبيا) سخَّرته في طبعته الأولى عن محور عربي عام، وثانية نسخه عن أخرى، والثالثة كذلك، والرابعة الحالية لمحور: (المقاومة). السؤال الموجَّه إلى (هيئة سوق عكاظ): نجح وسينجح هذا المصطلح في الجزائر، فلمَ لا ينجح بنفس العَبَق في سوق عكاظ مكانه الأصلي مع توافر كثير من الممكنات لنجاحه؟ إلا أن القائمين عليه لا يدركون هذا البعد فيضعوا له أهدافا وعناوين عربية شمولية تنبئُ عن مفهوم الوحدة الثقافية العربية على الأقل؟ أم أننا ضعفاء إعلاميا إلى درجة أننا لم نستطع إيصال صوته عالميا؟ أمْ أن مكانا يغيب فيه صوت المرأة المُطلق يعني غيابَ صوت أمة؟ أسئلة أسألها من عكاظية الجزائر الناجحة عن سوق عكاظ ذاته! ويقول الشاعر إبراهيم الوافي: في الجزائر كان كل شيء مذهلا مكتملا، بدءاً بقامات الشعر والنقد مرورًا بمنتجع (الشرتون) الذي كان محل إقامتنا، وانتهاء بالحفاوة الرسمية والشعبية والرعاية العليا للمهرجان فضلا عن قدرة الوجوه ، كل الوجوه على إقناعنا بأن الشعر ذاكرة العربي ،تبعًا لذهولها الساكن في عيون الحضور مرّةً، وفي مرايا الإعلام المرئي والمسموع والمقروء مرّات أخرى كثيرة.. كان الشاعر منا سفير التاريخ واللحظة المسكونة بالإلهام منذ امرئ القيس حتى أحمد العواضي، فضلا من أن الشعر ذاته في كل البلاد العربية التي حمل صوتها شعراؤها كان لايزال دهشة المطر وسنابل البحر ورفقة الضوء، وأغنية الوطن عكاظية الجزائر بكل الاحتفاء والاهتمام القيادي والشعبي بها.. تركت في ذهني سؤالا لا أستطيع أن أبارحه ولماذا لا يكون التعاكظ ذلك في مقرّه المعقود في ذمة التاريخ منتجعا ثقافيا متكاملاً، ترتاده الأفئدة المسكونة بالشعر والتاريخ، في ذات موعده القديم، طالما كنا قادة ومثقفين معا معتدّين بموروثنا الإبداعي، نتواصل معه بالتدارس والتباحث والبذل، مدركين أصالةِ الضوء فينا، صحيح أن هناك تحرّكاً كبيراً في هذا الصدد، وشعلة تنويرية يقودها الأمير الشاعر خالد الفيصل.. لكننا في المقابل نحتاج بعضا من حضور الجزائر في عكاظنا.. حينما كانت الجزائر كلها عكاظًا على مدى أسبوع كامل. هو كرنفال عربي جزائري أخذ من جزيرتنا قبَسها التاريخي حتى لا يسقط من الذاكرة إلا لؤما، بينما ترك لنا سؤالا حزينًا تبعناه بأحلامنا التي لا تنتهي عند حدود التهيؤ ، ولا تتفاءل بتحقُّقها لحظتنا الراهنة برغم بداياتنا المتوثّبة.. ويحدثنا الدكتور نايف رشدان عن العكاظية بالجزائر بقوله: كانت مهرجانا شعريا حافلا بالمناشط الأدبية العامة تنوعت بين المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية، ولفت نظري الحضور الطاغي للإعلام المقروء والمرئي والمسموع وتنوع الحركة الشعرية للجزائر، فعلى مدى أسبوع كامل كانت غالبية المشاركين من الشعراء الجزائرين ما يعني الاهتمام بالشعراء الوطنين والعنصر الوطني. وأيضا كان الحضور النسائي طاغيا ومميزا، وكذلك الحضور المستشرق متمثل بحضور دكتورة صينية حاضرت عن الأدب العربي. هذا غير الترحيب الفريد من نوعه على مستوى المسئولين ثم المستوى الإعلامي ثم المستوى الشعبي. وقد أتسمت الفعالية بالتميز في التنظيم والتنسيق وتنوع الأمسيات والأوراق النقدية والأماكن التي كانت كل يوم بمكان مختلف تنوعت مابين جامعة ومنتدى ومركز ثقافي. أما عكاظية الطائف فقال رشدان: لم أحضر فعالية سوق عكاظ من قبل رغم أني دعيت ووجهت لي دعوات من أكثر من دولة خارج المملكة، وسوق عكاظ لم يوجه لي دعوة للآن والعذر قد يكون لكثرة الشعراء، ولكن مما أسمع عنه أتمنى أن يكون في المواسم القادمة أفضل وأكثر تألقا وإشعاعا ويعيد لنا أيام الجاهلية الرائدة بسوق عكاظ.