في عددها الصادر في السادس من سبتمبر 2010م، نشرت مجلة فورتشن (Fortune) ذات المكانة الدولية مقالاً عنوانه (تكاليف مئة ألف ترانزستور transistor)(تقل عن تكاليف حبة أرز واحدة؛ أين أهمية ذلك؟). والترانزستور كما هو معروف هو وحدة رئيسة في الدوائر الإلكترونية المُستخدمة في الحاسوب والأجهزة الإلكترونية الأخرى. وسوف نُلقي الضوء فيما يأتي على هذا الأمر، تمهيداً لمُناقشة أثر انخفاض أسعار الترانزستورات بالمقارنة حتى مع الأرز على حياة الإنسان في المُستقبل، وعلى توجهاتنا نحن في المملكة العربية السعودية. تُشبّه الترانزستورات في الدوائر الإلكترونية بالخلايا العصبية neurons) ) في دماغ الإنسان. فإذا كان لكل خلية دور في ذاكرة الإنسان وقدرته على الاستجابة والتفكير، فإن لكل ترانزستور دوراً في الدوائر الإلكترونية المكونة للحاسوب والأجهزة الإلكترونية الأخرى، والوسائط الإلكترونية المُلحقة بالآلات والأنظمة المُختلفة، كالبرادات، والغسالات،والسيارات، وغيرها. ويُقدر عدد الخلايا العصبية في دماغ كُل إنسان بحوالي (100 بليون خلية)؛ كما يُقدر عدد الترانزستورات في دوائر الحاسوب الشخصي العادي الواحد بحوالي (50 بليون ترانزستور). وقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد أعداد الترانزستورات في الأجهزة المُختلفة. وترافق هذا التزايد مع تناهي صغرها في الحجم، وفي تكاليفها أيضاً. كما ترافق أيضاً مع إمكان إعداد برمجيات حاسوبية، لتشغيلها في وظائف وخدمات تقنية أكثر ذكاء وفاعلية، مثل وظائف الجوالات الحديثة، ومثل وظائف التحكم في الأجهزة المُختلفة، وخدمات الإنسان الآلي (Robot) وتطبيقاته المُختلفة في المصانع، وفي كثير من الأعمال والخدمات الأخرى. في إطار التكاليف الحالية للترانزستورات في الأجهزة الإلكترونية بالمقارنة مع تكاليف حبة الأرز، يذكر المقال المطروح أعلاه أن جهاز تخزين معلومات من نوع فلاش (flash)، سعته (16 بليون حرف) أي؛ 16جيجا بايت (Giga-Byte) ، ويحتوي على (128 بليون ترانزستور)، تبلغ تكاليفه ما يُعادل حوالي (124 ريالاً). ويذكر من ناحية أخرى أن خمسة أرطال من الرز (أي 2.26 كيلوغرام) تحتوي على (15 ألف حبة أرز)، تبلغ تكاليفها ما يُعادل حوالي "19 ريالاً". ويصل من ذلك إلى أن تكاليف حبة رز واحدة تزيد عن تكاليف (مئة ألف ترانزستور). هذا الانخفاض في أسعار الترانزستورات والتقلص الكبير في حجمها، يُعطي إمكانات واعدة غير مسبوقة تصل بالبعض إلى الافتراض أن ذلك سيُؤدي إلى إمكان إنتاج إنسان آلي، ليس فقط أكثر ذكاء من الإنسان العادي، بل يتمتع أيضاً - والله أعلم - بمشاعر وتصرفات تُحاكي تصرفات الإنسان. ومع استبعادنا لهذا الافتراض من مُنطلق أن ما سيُبنى من ذكاء في البرامج التي تُنفذها الترانزستورات، سيُبنى من قبل الإنسان ذاته، فإن الأمر يستحق التوقف والنظر إلى المُستقبل. وبالطبع فخلاصة الرجل الآلي أنه جهاز متحرك متطور وذكي يصنعه الإنسان، ولكن من دون روح. الترانزستورات والدوائر الإلكترونية والبرمجيات التي ستوجه ذكاءها، والأنظمة الآلية المُختلفة التي ستستفيد منها، ستُقدم إلينا مُنتجات وخدمات جديدة تُغير كثيراً في طبيعة الحياة التي نراها اليوم. فكثير من الأعمال ستقوم بها أنظمة ميكانيكية تحكمها ترانزستورات الأنظمة الإلكترونية. وكثير من الجنود، ورجال الشرطة، والعمال، والفلاحين، وموظفي الخدمات في الفنادق والمطاعم، والممرضين، وغير ذلك؛ يُمكن أن يُصبحوا آلات تتحرك تبعاً للبرامج التي تُنفذها الترانزستورات. في مواجهة ذلك علينا أن نستعد لأمرين مهمين؛ أولهما أن ندخل عالم الترانزستورات والدوائر الإلكترونية والبرامج الذكية كمنتجين وليس كمستخدمين فقط. وثانيهما أن نبحث لأبنائنا عن أعمال بشرية جديدة لا يستطيع الإنسان الآلي المستقبلي أن يُنافسهم فيها.