مشاهد رحلتي الأخيرة من الدمام إلى الرياض والشاحنات المتراصة التي كانت تقطع الطريق بين منطقتين يتركز فيهما أكثر من 40% من إجمالي عدد السكان و50% من النشاط التجاري والصناعي في المملكة دفعتني إلى التساؤل حول مدى أهمية توسع الحكومة في مشروعات بناء السكك الحديدية والجدوى الاقتصادية من إنفاق الحكومة عليها! التجارب الدولية تؤكد أن الحكومات إذا رفعت الإنفاق الحكومي تكون شعوبها حظيظة... صنع الأمريكيون ثروات مهولة خلال فترة الخمسينيات والستينيات وانهالت المشاريع من كل صوب, وصنع مهاجرون جدد للولايات المتحدة وثروات طائلة، في المقابل تركت ميزانيات أوروبا الخاوية منذ عقود مهمة زيادة الدخل القومي للمواطن عبر رفع ميزان الصادرات على الواردات وجذب الاستثمار الأجنبي, وجلس بعد ذلك الأوربي الذي أذهل العالم بصنع أفضل العربات (السيارات) يركب المواصلات العامة. إن هذا ينقلنا للحديث عن مشروع الجسر البري السعودي الذي سحب من التداول الإعلامي والذي يستهدف - بحسب ما أعلن سابقاً- ربط موانئ المملكة في الشرق والوسط والغرب بخط حديدي يتجاوز طوله 1000كلم في ظل برنامج طموح لتوسعة شبكة الخطوط الحديدية وتخصيص المؤسسة العامة للخطوط الحديدية. إن أهمية هذا المشروعات تكمن في كون السكك الحديدية وسيلة نقل برية منافسة في مجال النقل الكمي والحجمي، كما أن الميزة التنافسية لها تبرز أكثر كوسيلة نقل منخفضة التكاليف مقارنة بوسائل النقل الأخرى، فضلاً عن مميزات اقتصادية وعملية أخرى. وعلاوة على هذا فإن من خصائصها ارتفاع حجم الاستثمارات الرأسمالية في البداية وانخفاض تكاليفها التشغيلية، إلا أنه كلما زاد حجم البضائع المراد نقلها وطالت مسافة النقل، ارتفعت مزايا النقل بواسطة السكك الحديدية مقارنة بالوسائل الأخرى. إن تنفيذ هذه المشاريع يسير بالتوازي كما أعلن مع خطة لخصخصة قطاع السكك الحديدية في المملكة، وإذا كانت الخصخصة تنطلق من كونها فلسفة اقتصادية حديثة ذات أبعاد استراتيجية ترمي لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة من القطاع العام إلى القطاع الخاص بهدف إصلاح الأوضاع الاقتصادية فإنها عادة ما تتزامن مع تنفيذ برامج أخرى موازية و متناسقة تعمل كل منها في الاتجاه العام نفسه الداعي إلى تحرير الأنشطة الاقتصادية في القطاع العام تجاه القطاع الخاص بهدف استغلال المصادر الطبيعية والبشرية بكفاءة وإنتاجية أعلى وتخفيف الضغط على ميزانية الدولة وتوجيه الانفاق الحكومي بشكل أفضل. ومن هنا تبدو الحاجة ملحة في هذه المرحلة لدمج مساري التوسعة وخصخصة قطاع السكك الحديدية ضمن مسار واحد والانطلاق بخطوات حثيثة وجادة وسريعة لتحقيق ذلك نظراً للتداخل الواضح بين تحقيق جدوى اقتصادية وعوائد مالية للمشروعات الاقتصادية، الصناعية أو الزراعية، الكبيرة، ووجود وسيلة نقل ذات تكلفة معتدلة يمكن الاعتماد عليها. وهو ما يؤكد حتمية إطلاق هذا المشروع والمشاريع الأخرى المماثلة لتمكين الدولة والمجتمع من الإفادة من آثارها الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة والمهمة.