الحمد لله الذي كتب الموت والفناء على كل حي فقال جل ذكره: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) (العنكبوت/57). وقال جل وعلا: (.. كل شيء هالك إلاّ وجهه له الحكم وإليه ترجعون) (القصص/88). والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد الذي لو سلم أحدٌ من الموت لكان هو السالم فقد قال الله جل وعلا فيه: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفاين مت فهم الخالدون) (الأنبياء/34) صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.. أما بعد: فهذه خواطر أبث فيها حزني على فقد «أم زوجتي وجدة أولادي» منيرة بنت محمد الخليفي «التي وافتها المنية ليلة السابع من شهر رمضان المبارك لعام 1431ه وهي قائمة تصلي راتبة المغرب رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها فسيح جناته.. وألهمنا جميعاً الصبر على مصابنا.. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا أم ناصر لمحزونون». نسير إلى الآجال في كل لحظة وأيامناتطوى وهن مراحل ولم أر مثل الموت حقاً كأنه إذا ما تخطته الأماني باطل هنيئاً لك يا أم ناصر على هذه الخاتمة الطيبة أبشرك بالحديث الذي رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً عَسَلَه قيل وما عَسَلَه قال يفتح الله عز وجل له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه) رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة. فقد ختم الله لكِ بمقام عظيم أعظم مقامات العبودية لله عز وجل بعد الشهادتين وهي الصلاة التي هي عمود الدين، وهي أول ما يسأل عنها العبد يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله. وقد ختم الله لك في شهر الرحمة والغفران شهر البر والاحسان.. فهنيئاً لكِ. عرفتها - رحمها الله - امرأة صالحة، مصلية، ذاكرة، صابرة على ملمات الحياة، عفة اللسان لا تذكر أحداً بسوء ولا تسمع منها إلاّ ما يرضي الله عز وجل وكأني بها تستشعر قول حبيبها صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه: (ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلاّ حصائد ألسنتهم) رواه الترمذي وقال حديث صحيح. قالوا نراك طويل الصمت قلت لهم ما طول صمتي من عيّ ولا خَرَس لكنه أحمدُ الأشياء عاقبةً عندي وأيسره من منطق شكس طاهرة الجنان لا تحسد أحداً على خير أوتيه، سمحة، سهلة، هينة، متواضعة لا يجد الكبر إلى قلبها سبيلاً. هي برةٌ تهوى الجميل تقرباً ويشوقها في ذلك الأجر هي عفة تأبى وتسمو عزة عن كل ما لا يرتضي الطهر طيبة النفس، ترضى بالقليل، قنوعة بما آتاها الله، مقتصدة في مأكلها ومشربها وفي جميع شؤونها لا تسرف ولا تحب الاسراف، طويلة الباع بالاحسان. هي الجود في أعلى مراتب بذله هي المكرمات البيض والشيم الغُرُّ عرفتها - رحمها الله - بأخلاقها النبيلة فلم أسمع منها يوماً قط كلمة سوء أو تعامل غليظ بل كانت تستقبلني بالبشر والسماحة والكلمة الطيبة.. فكانت بحق نعمَ أم زوجة رأتها عيني. عرفتها - رحمها الله - مربية صالح فقد كانت تربي أولادها على تقوى الله وطاعته وهذا واضح في نفوس وسلوك أولادها - وفقهم الله وثبتهم - . عرفتها - رحمها الله - حنونة عطوفة على أولادي مهما صدر منهم من أذية أو ازعاج وكانت تستقبلهم بالحلوى والفرح والاستبشار بقدومهم. أحبها الصغير والكبير وكل من لقيها، وبكى عليها كل من سمع بموتها. رحمك الله يا أم ناصر فلقد حفرتِ في ذاكرتي أياماً جميلة ملأتها بالسعادة والأنس على بيتي وعلى أولادي. طبت وطاب ثراك وجعل الجنة مثواك.. وبارك الله لك في أولادك وأحفادك وجمعك بهم وبوالديك وزوجك واخوانك واخواتك في جنة الخلد آمين. إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على قضائه وقدره، اللهم ارحمها رحمة واسعة، واجعل يوم موتها خير أيامها، واغفر لنا ولها، ولا تفتنَّا بعدها. وصلى الله وسلم على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبته بمداد دمع العين.