لم تعد المخاوف بشأن اندلاع حرب سابعة في اليمن، هو ما يُقلق اليمنيين وإن بدأت تلوح مؤشراتها في الأفق، بقدر ما أن الخشية تكمن في إمكانية انهياره كدولة ونظام ومؤسسات، لاسيما وان الدول المانحة حذرت في اجتماعها الأسبوع الماضي من أن اليمن سيشكل «خطراً كبيراً» إذا لم يمنع العالم انهياره. ثمانية وأربعون عاما مرت على قيام ثورة اليمن. جاءت تلك الثورة بعد سقوط أسرة حميد الدين والملكية التي حكمت منذ 1918، بأهداف ستة أملا في تغيير الوضع آنذاك، فكان من ضمنها «التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات». فيا تُرى هل استطاع اليمن بعد كل هذه السنين من ترسيخ تلك المبادئ، أم انه لم يكن بمقدوره التخلص من مفهوم القبيلة رغم وجود الدولة؟ على أن المقام هنا لا يهدف إلى إلصاق التهم لهذا الطرف أو ذاك، بقدر ما هي محاولة لقراءة هادئة وموضوعية في وضع اليمن الذي لم يلبث أن تشكل مشهده السياسي من لوحة بانورامية تتمثل في: أزمة سياسية بين السلطة والمعارضة ، وتدخلات خارجية، فضلا عن تدهور الاقتصاد، ناهيك عن الثالوث، الحراك الجنوبي، والحوثيين، والقاعدة. إن الجلوس على طاولة الحوار مع الجميع عدا القاعدة أمر يتطلبه الظرف والمرحلة. والمأمول من القيادة اليمنية أن تسعى من خلال التواصل إلى إشراك الأطراف والقوى السياسية لبناء دولة مؤسسات من خلال توسيع وتعزيز مفاهيم المواطنة. وكانت أهمية موقع اليمن من الناحية الجيوسياسية سببا مغريا لتلك الأطراف، ما جعله منطلق الاتجاهات وفق مصلحة كل طرف. أصبح اليمن السعيد أفقر بلد في العالم العربي، ونصف عدد سكانه يعيش تحت خط الفقر ونسبة البطالة فيه بلغت 40% في حين تجاوزت الأمية 60%. ولعل ما يشير إلى خطورة الوضع ما قاله وزير التنمية البريطاني عندما أشار إلى أن اليمن « لن يكون لديه نفط ولا ماء قريباً». محذرا من مخاطر جمة على العالم إذا انهارت الدولة فيه.وكانت دول مجلس التعاون قد استشعرت خطورة الوضع، وأعلنت دعمها لوحدة واستقرار اليمن، وتأكيدها بأن امن اليمن لا يتجزأ من امن دولها. وبرغم قلق اليمنيين في أن شبح الحرب ما زال قائما، إلا انه ومنذ 2004م والى الآن ما زال البعض يعتقد أن هناك غموضا وعدم وضوح للأسباب الحقيقية التي أدت لاشتعال حروب ست بين الحوثيين والحكومة اليمنية، بصرف النظر عما أبداه كل طرف من أسباب وتبريرات سواء كانت هي نتيجة لتهميش الحوثيين سياسيا وتنمويا كما يدعون، أم أنها جاءت على خلفية صراع مذهبي ؟ أم أنها تتعلق بطموحهم في إعادة حكم الإمامة؟ أم أنها كانت تكتيكا من قبل الحكومة لتصدير أزماتها للخارج كما يقول خصومها؟ الحقيقة أن الحرب يمكن أن تشتعل في أي لحظة ،لان هناك مطالب للطرفين لم تكتمل فما زال لدى الحوثيين أسلحة لم تُسلم للحكومة، إضافة إلى مطلبهم المتعلق بالإفراج عن معتقليهم، في الوقت الذي يُحاكم بعض منهم بتهمة التخابر مع إيران، فضلا عن استمرارهم في ممارسة الخروقات للاتفاق، وسعي تجار الحرب لإشعالها من جديد. أما تنظيم القاعدة فقد عاد ليتمركز من جديد، فاختيار التنظيم لليمن له دلالة، فهو قد حدد بعد تفجيرات مدريد 2004 أن اليمن ستكون الجبهة الثالثة بعد أفغانستان والعراق، فاليمن حسب أدبياتهم أرض المدد، فضلا عن طبيعته الجغرافية وتركيبته السكانية،ولذلك فالقاعدة تستقر في المكان غير المستقر، وتواجدها في دول كأفغانستان والصومال والعراق واليمن يؤكد صحة هذا القول، كما أن هذا التنظيم له أجندة سياسية تهدف في المقام الأول إلى الاستيلاء على السلطة. وكانت واشنطن قد أكدت أن تنظيم القاعدة في اليمن أشد خطورة من باكستان، ما جعل البعض يرى ونظرا لخطورتها أن الأجواء مُهيأة لتشكيل مجالس صحوة من القبائل كما في العراق لمواجهة القاعدة.ويبدو أن الحاجة ماسة لها بعدما استطاعت اختراق شرائح عديدة في المجتمع. الظاهرة الحوثية تتشكل من جماعة سياسية بجدارة، تستغل العصبية المذهبية في تحقيق مصالحها بقوة السلاح في ظل غياب مزمن من قبل الدولة وسلطاتها.»غير أن الحقيقة الماثلة تشير إلى تجانس مجتمعي بين الشيعة والسنة في اليمن، فالشيعة يتمتعون بكافة الحقوق ويعانون مثلهم مثل الآخرين في المناطق الأخرى، إلا انه في وقت الخلافات والاحتدامات تكون اللعبة السياسية مرتكزة على التوظيف السياسي للمذهبية، فيتم استغلالها كغطاء لتحقيق الهدف المنشود. وقد اتضح جليا عدم تأثير الأحزاب وهشاشة مؤسسات المجتمع المدني، مما ساهم في بقاء واستشراء العصبوية القبلية والمذهبية خاصة في مناطق مُهيأة لذلك كصعدة وأبين والجوف ومأرب وشبوة، مع أن دورها القيمي يقتضي نشر مفهوم المواطنة من اجل إجهاض أي نزعة انفصالية. إن حضور المشروع الأسري الوراثي وغياب المشروع الوطني سيدفعان بأزمة اليمن الراهنة إلى مأزق غاية في الخطورة على النظام، وعلى اليمن، وعلى المنطقة والعالم.»وحين نمضي نحو المزيد من المكاشفة نقول انه بوجود هذه الأزمة السياسية وفي ظل غياب مشروع وطني يمكن الارتهان له ،كان من الطبيعي أن تطفو على السطح مشاريع مذهبية كالحوثية في الشمال، ومناطقية كالحراك الانفصالي في الجنوب، لان هناك من يطمع في أقلمة الصراع في اليمن. ومع ذلك فعدد من الناشطين والمثقفين اليمنيين يؤكدون أن المشكلة وحلولها مطروحة منذ عام 1993 عبر وثيقة العهد والاتفاق وان تطبيق ما جاء فيها كفيل بإخراج البلاد من الأزمة. الضغوط المتنامية وبالذات في المحافظات الجنوبية ستجبر النظام في نهاية المطاف على القبول بحكم فيدرالي، تقسم اليمن بموجبه إلى أقاليم أو ولايات، مع بقاء المسائل السيادية كالسياسة الخارجية والدفاع بيد الحكومة المركزية.»صفوة القول إن اليمن بحاجة إلى قراءة جديدة لمعالجة الخلل، على سبيل المثال لماذا لا يتم التفكير أو دراسة الانتقال إلى الفيدرالية كحكم محلي واسع الصلاحيات،يحقق الاستقلالية للمحافظات ويحافظ على وحدة البلاد بشمالها وجنوبها في ذات الوقت؟ وهذا لا ينتقص من وجود ودور الحكومة المركزية، بل قد يساهم في عدم انزلاق اليمن إلى وضع الفوضى والاحتراب، مع أهمية وضرورة دعمه ماديا وسياسيا ، لان انهيار الدولة، لا سمح الله، يعني عدم استقرار دول المنطقة وسيشكل تفاقما للإرهاب وتهديدًا مباشرا للمصالح الغربية واهتزازا للاقتصاد العالمي لاسيما إذا ما تخيلنا سيطرة القاعدة على المنافذ البحرية. صفوة القول إن الجلوس على طاولة الحوار مع الجميع عدا القاعدة أمر يتطلبه الظرف والمرحلة. والمأمول من القيادة اليمنية أن تسعى من خلال التواصل إلى إشراك الأطراف والقوى السياسية لبناء دولة مؤسسات من خلال توسيع وتعزيز مفاهيم المواطنة وسيادة القانون والمشاركة الشعبية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. وهو ما سيُمكنها حينئذ من بسط نفوذها على كافة أراضيها وتحقيق التنمية والأمن والاستقرار لها ولدول الجوار. وهو ما نرجوه وان كانت المسالة مرتهنة برمتها للإرادة والفعل لا بما يطرح من أقوال وآراء وتنظير رغم أهميتها.