أنهت مسرحية (طرفة بن العبد) عروضها الخمسة السبت الماضي المقررة ضمن برنامج سوق عكاظ بمحافظة الطائف وسط إشادة كبيرة من النخب المثقفة والجماهير، حيث استطاع العرض أن ينجح في تطبيق معادلة العرض (النخبوي/الجماهيري) بمهارة فائقة، فالإشادة التي تلقاها العرض من النخب المثقفة التي حضرت العرض قابلها حضور جماهيري بلغ 2500 متفرج خلال خمسة أيام قدموا من الطائفوجدة ومكة المكرمة. المسرحية حققت معادلة (العرض الجماهيري/النخبوي) بنجاح كبير وبحضور 2500 متفرج المسرحية التي ألفها رجاء العتيبي وأخرجها شادي عاشور جاءت وفقاً للمسرح الملحمي التي استطاعت أن تستحوذ على انتباه الحضور طوال مدة العرض في علاقة وجدانية لم تنقطع بين العرض والمتلقي. وقال رجاء العتيبي مؤلف المسرحية ل"الرياض": "إن العرض قدم قراءة موازية لطرفة بن العبد، طرفة الثاني، وليس طرفة القار في أذهان المتفرجين تماشياً مع تكنيك الكتابة المسرحية التي لا تحفل بالروايات التاريخية بقدر ما تحفل بقراءة إبداعية تتقاطع مع تفاصيل العصر". مبيناً أن "النص يشير إلى خطر الأدلجة على الجماهير وأهمية الخروج بفكر جديد ومناهج معاصرة". وألمح العتيبي الذي يعمل رئيساً لقسم المسرح بجمعية الثقافة والفنون بالرياض أنه كتب نصاً يصل للجماهير بأبسط صورة ممكنة على اعتبار أن الجماهير ليس مطلوباً منها أن تفكر وتقرأ في الفكر والفلسفة بقدر ما تطمح إلى تقدير طموحاتها وتطلعاتها. مقدماً شكره وتقديره لفريق العمل، ومشيداً في الوقت نفسه بقدرات المخرج شادي على كتابة نص بصري احتفالي يليق بحفل افتتاح سوق عكاظ. د. عبدالعزيز خوجة كما أشاد العتيبي بالقدرات التمثيلية للفنانين زناتي قدسية وعبدالله عسيري ونايف خلف وشباب المسرح، مبيناً مدى الإثراء الكبير الذي قدموه للعرض، فيما قدم تقديره للمنتج عمرو القحطاني. وفي استطلاع لصحيفة "الرياض" لعدد من المثقفين والإعلاميين حول مستوى المسرحية وآرائهم حولها، قال معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة في تصريح ل"الرياض" بعد مشاهدته العرض الأول للمسرحية: "كنت سعيداً جداً وفخور بمشاهدتي لهذه المسرحية، فقد بدت عملاً جميلاً ومتكاملاً اجتمعت فيه جماليات النص والإخراج والأداء، فلم نشعر بالوقت على الإطلاق أثناء متابعتها، وجاءت في المستوى المنشود والمواكب لحدث ثقافي مهم كسوق عكاظ". وأضاف: "كل شيء يبشر بمستقبل المسرح السعودي، والذي سيتطور أكثر فأكثر في قادم الأيام، ومسرحية طرفة بن العبد بعثت فينا التفاؤل تجاه المسرح السعودي وتطوره". وتمنى معالي وزير الثقافة والإعلام، التوفيق لجميع من شارك في هذا العمل، شاكراً إياهم على المستوى الفني الرائع الذي ظهروا به في هذه المسرحية. رجاء العتيبي بدوره، أبدى الناقد التونسي الدكتور توفيق الزيدي، إعجابه بمسرحية طرفة بن العبد، قائلاً في معرض قراءته المسرحية للعمل: "بدت المسرحية جيدة من ناحية التأليف والإخراج، وقد ظهرت هناك رؤية معينة في النص وهذا المهم من وجهة نظري، فليس بالضرورة إذا كانت الشخصية تاريخية أن تقدم كما هي، فهذا ليس مطلوباً من المؤلف لأنه ليس مؤرخاً، بل فنان له رؤية معينة، وفي رأيي أن هناك طرفة بن العبد أول وطرفة ثانياً". وتابع في حديثه ل"الرياض": "الأول وهو الشخص الحقيقي الذي ولد يوما ما وكتب شعراً ما، وإلى غير ذلك، أما طرفة الثاني وهو ما خلقه الخيال من خلق سمات أخرى لصاحب المُعلّقة الشهيرة، ومن ذلك ما جاء في المسرحية التي شاهدتها، فعندما نُمحّص في لوحات المسرحية نجد أننا نقف على طرفة الثاني، فنجد أن المؤلف مثلاً جعل من ملك الحيرة عمرو بن هند طاغية من خلال أعماله، سواء وجدت هذه الأعمال في الواقع أم لا، فالمهم أن الخيال خلقها هنا، ومن حق الفنان اليوم أن يتناول الشخصيات التاريخية من زاوية أخرى". مُختتماً حديثه بأن مسرحية طرفة بن العبد "كانت لائقة بتصور مهرجان مفتوح مثل سوق عكاظ، فقد اكتفينا من الندوات المغلقة في الفضاءات المغلقة، خصوصاً وأن المسرحية شكل من أشكال الإبداع في الفضاء المفتوح". ومن جهته، قال الشاعر اللبناني شوقي بزيع الفائز بجائزة شاعر عكاظ لهذا العام ل "الرياض": "لقد كانت مسرحية طرفة بن العبد مفاجأة بكل المقاييس وذلك على مستويين، تمثل الأول في التمثيل والإخراج حيث كان هناك تنوع ومشهدية غنية من خلال اللوحات التي عرضت، فلم تكن هناك أي كوابح، إذ شاهدنا جرأة عالية في حركة الجسد وتعبيره عن كل أسئلة الإنسان وعلاقته بالأخر". وأضاف: "أما المستوى الثاني فظهر في النص بتقديمه مثال في غاية الجرأة عن علاقة الشاعر بالسلطة مُمثلة بشخصية عمرو بن هند، وهنا أشيد بالفنان زيناتي قدسية الذي جسد هذه الشخصية ببراعة، إلى جانب زملائه الآخرين خصوصاً من جسدا دوري طرفة وخاله المتلمس". وزاد بزيع في حديثه قائلاً: "استطاع المخرج والكاتب أن يقدما رؤية وجودية لهذا الشاعر الاستثنائي، خصوصاً في اللوحة الأخيرة وموقف طرفة الساخر المتحدي للموت وغير الآبه بأي مصير مأساوي ما دام منسجماً مع نفسه ومع قناعاته، فبدا قتل طرفة شبيهاً بالانتحار وكأنه يقدم فعلاً احتجاجياً ساخطاً على مجتمع لا يشرفه أن ينتمي له كما يبدو، فهي صرخة انتصار للفرد الذي يتم سحقه تحت الجماعة، لذا كانت هذه المسرحية أحد أهم الأنشطة التي عبرت عن روحية سوق عكاظ". وأشار الكاتب الدكتور علي الرباعي إلى أن مسرحية طرفة بن العبد "كانت مميزة بحكم أن الخطاب الذي ورد فيها كان خطاباً جريئاً وقوياً"، فيما رأت الكاتبة والشاعرة السعودية حليمة مظفر أن المسرحية "كانت مميزة وكتب نصها الدرامي بشكل محترف وفق خصائص درامية، فجاءت المسرحية معبرة وجريئة وقوية، وإن كانت المسرحية تحمل طابعاً رمزياً لكنها في ذات الوقت قدمت طرفة بن العبد كنموذج إنساني وجد في عصر من العصور، وتعرض هذا النموذج لمعاناة ما، كما قد يحدث مع أي من النماذج الموجودة في أي عصر، لذا المسرحية جزء من واقع الحياة سواء فمهما اختلفت الأزمنة والعصور، تبقى النماذج الإنسانية واحدة". يذكر أن مسرحية طرفة بن العبد من بطولة: زناتي قدسية، وعبدالله عسيري، ونايف خلف، بمشاركة عدد من الممثلين الشباب، وهم: خالد الصقر، يعقوب الفرحان، سعود العبد اللطيف، عبدالعزيزالأحمد، وفي إدارة الإنتاج عبدالعزيز الداوود. وفي هندسة الإضاءة المنذر النغيص وفي الإشراف الفني عمرو القحطاني. كما شارك في المسرحية فرقة شباب المسرح الاستعراضية.