حاملا معه صندوق الحكايات القديمة، وعابرا ضفة أوال البحرين إلى الشطر الشرقي من المملكة، ليروي شعرا؛ أبياتَ مساجلات بينه وبين الأديب الراحل غازي القصيبي وقصائد أخرى كتبها في رفيق الدرب و البدايات.. الشاعر البحريني عبدالرحمن الرفيع، الذي قابل جمهور الشعر والأدب في مقر لجنة الأنشطة الثقافية في المجمع السكني لمحطات التحلية بمدينة الخبر؛ اختار أن يفتتح الأمسية التي أقيمت مساء أول أمس الثلاثاء، بتحية شعرية على طريقته المحببة: (الاخا بينا وبينكم مو مباراة في الكرة، الإخا بينا وبينكم مو بحروف امصوره.. مو بشعر سمعوا كلامي.. من زمان بينا وبينكم مو بجسر.. تضحك اعيون الرياض لين اضحكت عين المنامة لو اشتكوا أهل الرفاع، فزوا لهم كل أهل نجد وتهامة). عبدالرحمن الرفيع الذي يكاد لا يضاهيه أحد في الحديث الشعري عن غازي، استعان بذاكرته الذهبية وهو يسرد ويلقي أشعارا، كتبت بينه وبين غازي منذ مراحل الدراسة الثانوية، مرورا بالمرحلة الجامعية (القاهرة) وصولا إلى فترات زمنية أخرى وهو يقرأ الشعر حفظا، بعد أن أخرجه من بين جدران المجالس الخاصة؛ منطلقا من مرحلة الدراسة الثانوية، حيث تعرف على غازي في الصف الأول ثانوي، متوقفا بالقول: "بدأ بعدي الشعر بفترة بسيطة، وكان مهيئا للشعر". تخنقه العبرة، يصمت، ثم يعود ليضيف: "لم أكن أجرؤ أن أكتب غزلا في البنات، وقتها بدأت الشعر الغزلي في الوردة وقصيدة في فلسطين) في إشارة إلى أن غازي كان السباق دائما. وقبل أن يذهب لمرحلة دراسة الحقوق مع القصيبي، انتقل الرفيع إلى مرحلة السبع سنوات التي قضاها غازي سفيرا للمملكة في البحرين، مودعا القصيبي بقصيدة كتبها عندما غادر المنامة إلى لندن للعمل سفيرا هناك، منها يقول: (لقد صك سمعي أنك اليوم راحلٌ، فهل غازي الذي يهجر الأهل). إلا أن الرفيع وجد نفسه بعد هذه القصيدة الوداعية، يقرأ رثاء غازي الأخير: (من للمحافل والقلم، ذهب الفتى الفذ العلم.. لا لن يموت أبو سهيل، سيضل مصباح الظلم). عبدالرحمن الرفيع الذي يكاد أن يجمع ديوانا في غازي القصيبي بعد هذه المناسبة، يتذكر قصيدة أخرى، استقبلها الراحل القصيبي بقبلة على جبين الشاعر البحريني، يقول الرفيع بين ابياتها: (لا ألوم الملوك تدنيك منها، كل ملك بكم يؤسس مجده، ومزايا ابن القصيبي كثرٌ، درٌ من قادرٌ أن يعده). موقعاً أحد دواوينه للحضور مساجلات.. كلية الحقوق المرحلة الأكثر تشويقا وفكاهة في سرد الرفيع، كانت مرحلة الدراسة الجامعية في القاهرة، نهاية الخمسينيات، وذكريات غازي الطالب الذي يتبادل الشعر الغزلي مع الرفيع خلال المحاضرة. ومن هذه الأبيات التي كتبها غازي، يتذكر الرفيع: (إيه يا تافهة مغرورة أي شيء فيك يدعو للغرور) وهي في إحدى زميلاتهم في الجامعة، عابرا على مجموعة قصص ورسائل شعرية بين الشاعرين، ومنها ما كتب القصبي أيضا: (سألتك رفقا بهذا الغريب، وفي خطوه حيرة العاشقين..) متوقفا الرفيع حول المنافسة الشعرية بين الشابين اليافعين خلال تلك المرحلة التي كتب حولها القصيبي رواية (شقة الحرية) وهو الأمر الذي لا يخفيه الرفيع الذي أكد ل"ثقافة اليوم" أنه كان موجودا بين شخوص (شقة الحرية)، رافضا - بابتسامة - أن يفصح عن شخصيته الورقية التي قد يعلن عنها يوما ما! الأمسية التي امتدت الى ما يزيد على الساعة ونصف الساعة، تخللها مشاهد وحكايا توزعت بين المرح والحنين والأسى، إلا أن صاحب ديوان (الدوران حول البعيد)، اختار ألا يرجع إلى البحرين دون أن يلبي شغفا آخر لدى الجمهور وهو الإصغاء إلى شعره المحكي؛ مفتتحا الجزء الشعبي من القصائد، بقصيدته الشهيرة، (البنات) مستعيدا في هذا الجزء مجموعة قصائد منها (العيون) و(تذكرين) وغيرها، ليختتم الأمسية بتوقيع بعض دواوينه، بعد أن تسلم درعا تكريميا من راعي الأمسية محافظ المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة الأستاذ فهيد بن فهد الشريف.