جلالة المغفور له بإذن الله الملك فيصل بن عبدالعزيز أصبحت سيرته العظيمة مرتبطة بذاكرة كثير من أبناء المسلمين باختلاف شعوبهم، فهو الرمز التاريخي للتضامن والوحدة الإسلامية، إذ بذل جهوداً جبارة من أجل إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، من خلال مطالبته بمؤسسة تشمل العالم الإسلامي التي تحققت بفضل الله ثم بفضل جهوده وصدق مقصده - رحمه الله - فتم إنشاء المنظمة التي بلغ عدد أعضائها (57) دولة إسلامية. وولد الملك فيصل في مدينة الرياض في شهر صفر من عام 1324ه، وتلقى علوم السياسة والإدارة في مدرسة والده المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -، وتعلم العلوم الشرعية على يد جده لأمه الشيخ "عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ" الذي حرص على تنشئته النشأة الدينية الصالحة، وظهرت سياسته منذ صغره، حيث كانت تقوم على ثوابت عدة أهمها حماية بلاده ومناصرته القضايا العربية والإسلامية التي غرسها فيه والده المؤسس الملك عبدالعزيز الذي لمس فيه حنكة سياسية فأدخله في معتركها وعمره لم يتجاوز 14 عاماً، بل وبعثه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى إلى كلٍ من بريطانيا وفرنسا في زيارات رسمية، كما ترأس وفد المملكة في مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في لندن عام 1939م لمناقشة القضية الفلسطينية، وترأس وفد المملكة أيضاً لحضور مؤتمر الأممالمتحدة في "سان فرانسيسكو" عام 1945م، ووقع على ميثاق الأممالمتحدة نيابة عن والده الملك المؤسس طيب الله ثراه. .. ويدشن مشروع الري والصرف في الأحساء وللملك فيصل العديد من المشاركات العسكرية مع والده من خلال قيادته ومشاركته للجيوش السعودية كما في حائل والحجاز وعسير، وقيادته التاريخية للجيش السعودي لقمع التمرد على الحدود اليمنية؛ من أجل توحيد بلادنا الغالية، واستطاع بحنكته وعقليته وكفاءته السياسية أن ينهي العديد من القضايا الحدودية للمملكة، وتقلد عددا من المناصب الكبيرة في عهد والده الملك عبدالعزيز الذي عينه نائباً له على الحجاز عام 1926م، ورئيساً لمجلس الشورى عام 1927م، كما عينه الملك المؤسس وزيراً للخارجية عام 1930م كأول وزير يحمل حقيبة الخارجية للمملكة، وعندما كان ولياً للعهد أسند إليه أخوه الملك سعود - رحمه الله - العديد من السلطات الواسعة، فقام بمراجعة وتعديل وإصدار عدد من الأنظمة كنظام مجلس الوزراء الذي حل محله النظام الجديد عام 1412ه، وأصدر نظام الموظفين قبل أن يحل محله نظام الخدمة المدنية، كما أصدر أنظمة المالية والمقاطعات والتأديب والبلديات، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات الإدارية والمالية، التي كان لها الأثر في استقرار الأوضاع في المملكة، كما فتح باب التعليم الرسمي للبنات عندما كان ولياً للعهد، ودافع عن قراره بقوة أمام معارضيه، فكان ازدهار تعليم الفتاة الذي نعيشه اليوم هو نتاج الرؤية الصائبة لهذا القائد العظيم. وفي عام 1964م بويع الملك فيصل بن عبدالعزيز ملكاً، وشهد اقتصاد المملكة في عهده ازدهاراً غير مسبوق بعد أن وضع الخطط الخمسية للدولة، ودعم الشركات الزراعية والصناعية باعتماده عددا من المشاريع العملاقة، كبنك التأمين الزراعي، ومشاريع الري، وشبكة الصرف، ومشروع الرمال في الأحساء، ومشروع سد أبها، وغيرها من المشاريع العملاقة، كما زادت المساحة الزراعية في عهده بشكل كبير وذلك بفضل ما يتلقاه المزارعون من دعم لا محدود، كما زاد في عهده أعداد المبتعثين من الطلبة للجامعات، ووزعت الكتب الدراسية على الطلبة بالمجان، وقدمت لهم المساعدات المالية، كما شهد عهده ضم جامعة الملك عبدالعزيز للدولة بعد أن كانت جامعة أهلية، وتحويل الكليات والمعاهد العلمية إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتحويل كلية البترول إلى جامعة البترول والمعادن. الملك فيصل يدون كلمة في إحدى المناسبات ويشهد التاريخ للملك فيصل بأنه - رحمه الله - قد زاد بشخصيته الفذة وحنكته السياسية من نفوذ المملكة، وجعل لها هيبة واحتراماً في العالم، وهو بالفعل البطل الحقيقي لمعركة العرب مع إسرائيل عام 1973م بوقفته الشجاعة والمشرفة، عندما أصدر قراره التاريخي بقطع إمدادات البترول عن الدول المؤيدة لإسرائيل، وتأييده المعنوي والمادي لكافة الدول التي كانت طرفاً في الحرب، ما كان له الأثر في انتصار الجيوش العربية، حيث أشاد بقراره الرئيس المصري الراحل أنور السادات ووصفه ببطل معركة العبور، كما وصفه الإعلام الغربي ب"الرجل القوي" الذي يملك من القوة ما يجعله يحطم التوازن النقدي في العالم، مما يبرهن المهابة التي بلغها الفيصل بين شعوب وقادات العالم. وفي صباح الثلاثاء 13 ربيع الأول من عام 1395ه الموافق 25 من شهر مارس 1975م استيقظ العالم على حدث جلل باستشهاد الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - رحمة واسعة وجزاه عن شعبه وأمته خير الجزاء. .. ويترأس اجتماعاً مع كبار المسؤولين