رغم شظف العيش وقسوة الظروف التي كان يعاني منها معظم سكان شبه الجزيرة العربية، إلا أن أهالي الاحساء شرق المملكة وبمختلف شرائحهم بقوا متمسكين بأرضهم أيما تمسك، في صورة تعكس الأصالة والولاء لتراب الوطن، بل إنهم استطاعوا بسواعد لا تعرف الكلل أو الملل خلق مجتمع مثالي في الكدح والضرب في الأرض، فعمروا أرضهم وحتى أراضي الدول المجاورة لهم، حتى بات اسم (الحساوية) مرتبطاً بالعامل المخلص والجاد والكادح بل والمبدع!. ويرى البعض في كفاح «الأحسائيين» وصبرهم ومن ثم تفوقهم في كثير من الحرف اليدوية، صورة ناصعة على عصاميتهم التي عرفوا بها منذ ذلك الوقت، بل إنها ساهمت وبشكل كبير في تنمية مدن الخليج التي رحلوا إليها. يقول «محمد الشويش» - 98 عاماً -: عندما كنت صغيراً كانت حياتنا كلها معاناة شديدة، فكان والده يصطحبه معه إلى ممارسة «الفلاحة» قبل أن يبلغ عمره سن العاشرة، واستمر الحال به لسنوات طويلة، مضيفاً أنه من أوائل من التحقوا بشركة «أرامكو السعودية» في بدايات تأسيسها، بل وساهم هو وجيله في انطلاقة أكبر شركة نفط في العالم، مؤكداً أن أرامكو أحدثت نقلة في حياة سكان الأحساء والمنطقة الشرقية. وعن هذا يتحدث المؤرخ «جواد الرمضان» بقوله: كان لخصوبة أرضهم وغزارة المياه المطردة دور في بقاء الكثير في الاحساء وتفضيلهم لها وعدم الرحيل عنها كما كان سائداً في الماضي، فامتهنوا حرفة الزراعة حتى اكتفوا ذاتياً في محاصيل كثيرة كالتمور (التي كانت ولا تزال واحدة من أكبر مناطق العالم في إنتاجاً له)، بالإضافة إلى الأرز والقمح والفواكه والخضروات، بل إن منتجاتهم والخيرات الوفيرة التي تنتجها الاحساء كانت تشكل مصدر غذاء رئيسيا لسكان منطقة نجد وإقليم الخليج كذلك. وأشار «الرمضان» إلى أن الأحسائيين تميزوا بكونهم أهل حرفة وصناعة يدوية منذ الأزل، ومن ذلك خياطة و»حياكة البشوت»، وصناعة الحصير (السجاد)، والحدادين، والصفارين، إلى جانب البناء والصفارة والنجارة والخياطة، كما استوطنوا في الكويت منذ تأسيسها، فعرفت طيلة مسيرتها بأنها بلد الخيرات والحرفيين، مشيراً إلى أن البعض سماها ب»سلة الغذاء والحرفيين في الخليج»، حتى حملت بعض العائلات أسماء مهنهم التي اشتهروا بها آنذاك. ولفت المؤرخ «جواد» إلى أن تعلق أهل الاحساء كان شديداً بأرضهم حتى أن بعض الجاليات ممن تركوا الاحساء قبل زهاء 150 عاماً لا يزالون يحنون إليها، بل ويعتبرون أنفسهم أحسائيين ويتواصلون مع أقاربهم، ذاكراً مثالاً بأحد الأحسائيين الذين تركوا الاحساء فترة قسوة الظروف المعيشية قبل نحو 150 سنة، إلا أنه ذلك لم يُنسه حبه وتعلقه بمسقط رأسه، لافتاً إلى أن رجلاً يدعى «عبدالمطلب الحسن» من سكان مدينة المبرزبالاحساء هاجر إلى «زنجبار» وتزوج هناك، وبعدما بلغت اثنتان من بناته جاء بهما إلى الاحساء وزوجهما إلى أبناء عمومتهن ليعود بعدها إلى «زنجبار». خيرات وفيرة تجود بها أرض الأحساء البشت الحساوي وشهرته أتت من مهارة الأيدي وخبرتها أحسائي مسن لا يزال يمارس مهنة الحياكة في مؤشر على تمسكه بمهنته