قبل اثنتي عشرة سنة تقريبا في اجازة أحد العيدين اتصل بي تليفونيا في البيت الدكتور جبارة (وكيل وزارة المالية حينذاك) وقال لي انه يوجد اجتماع هام لإحدى الجهات التابعة للأمم المتحدة في الأردن وأن الوزير يرى أن تمثل الوزارة في هذا الاجتماع وأعطاني رقم تلفون وعنوان أحد موظفي وزارة الخارجية للتنسيق معه والاطلاع على التفاصيل وأخذ الأوراق المتعلقة بموضوع الاجتماع. عندما اطّلعت على الأوراق عرفت أن اسم اللجنة ESCWA (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا) وكنت لأول مرة أسمع بهذه اللجنة وكذلك لأول مرّة أذهب الى الأردن. كانت ترأس اجتماعات لجنة الأسكوا امرأة ذات كاريزما وشخصيّة قويّة. لقد كانت المرأة تدير الجلسات بثقة واقتدار - قلّما رأيت رجلا في قدرتها - واستطاعت أن تسيطر ببراعة على سير المناقشات رغم أنه كان من ضمن المواضيع المطروحة موضوع حسّاس هو التصويت على هل يعود مقر الأسكوا الى بيروت أو تبقى في مقرها الذي انتقلت اليه الأسكوا - موقتا - في عمّان. لقد كان يخيّل اليّ - بين الفينة والفينة - أن في صوت هذه المرأة نبرة تذكّرني بنبرة لهجة بنات حي الساحة المحيط بالحرم النبوي في المدينةالمنورة. ثم اغتنمت فرصة وقت الغداء على مأدبة فخمة قوامها المنسف (قيل لنا ان المنسف هو رمز الكرم الذي يعتز ويفتخر الأردنيون بتقديمه لضيوفهم للتعبير عن معزّتهم) دعانا اليها الأمير الحسن (ولي عهد الأردن حينذاك) ولكن لظروف طارئة اعتذر الأمير ولم يحضر المأدبة. نعم وجدت الفرصة سانحة أثناء الطعام عندما ابدى البعض اعجابهم بمهارة ومواهب رئيسة الجلسات (وعرفت لأول مرة ان اسمها ثريّا) لأشبع فضولي فسألت الجالسين معي على طاولة الطعام: هل الثريّا لبنانية أو من الأردن؟ فصوّب بعض الحاضرين اليّ نظرهم باستغراب - وهم يشيرون الى اسم السعودية في بطاقتي - وكأنهم يقولون لي هل انت أهبل أو تستهبل؟ تأكّد لي أنني كنت أهبل, ولكن تخلّصت من الورطة بإلقاء نكتة جعلت الجميع يضجون بالضحك ويتصوّرون أن سؤالي كان - عبقريا - لإثبات تفوق المرأة السعودية على الرجل. تواردت على ذاكرتي هذه الصور المشرّفة للمرأة السعودية التي تفوّقت فيها على الرجال في الخارج عندما قرأت في جريدة الرياض يوم الأحد 26 رمضان العدد 15413 عنوانا يقول: «الأممالمتحدة تحتفي بثريا عبيد مع قرب انتهاء عملها كمديرة لصندوق السكان». عندما اقارن - عفويا - بين ما يصدر من تصريحات لبعض الرجال المسؤولين لدينا ولا سيما من بعض رجال أعضاء مجلس الشورى أشعر كرجل بالخجل لهشاشة التفكير. في كثير من دول العالم الثالث ثلاث وزارات هي وزارة التخطيط , ووزارة الشؤون الاجتماعية, ووزارة العمل غالبا تخصّص للنساء ولكن انا لن ارشّح ثريا وزيرا لإحدى هذه الوزارات الثلاثة - لأن وزراءنا الحاليين فيهم الخير والبركة - وحتى لا يتصور أحدهم أنني اشكّك في قدرات أحدهم أو أدعو لإقالته. ولكن المجال مفتوح في مجلس الشورى فلا أتصوّر أن أي عضو من المائة وواحد وخمسين عضوا يتصوّر ان دخول المرأة الى المجلس يعني - بالضرورة - اقالته. كذلك في كثير من دول العالم - سواء الثالث أو الأول - يكاد تكون قاعدة متعارف عليها, عندما تنتهي خدمات مواطن دولة ما كان يخدمها بإخلاص وأثبت كفاءته في احدى منظمات الأممالمتحدة تعتبره خبرة نادرة تحاول أن تستفيد منه في مكان اخر في داخل الوطن. مجلس الشورى لدينا مختبر للرجال البعض يثبت وجوده فيخرج من المجلس الى منصب رفيع والبعض يخرج كما دخل صافية يالبن. كذلك من الممكن ان يكون مجلس الشورى مختبرا للنساء التي تنجح تتولى منصبا في الدولة والتي لا تنجح تعود ربة بيت. عمود الأسبوع القادم - ان شاء الله - سيكون بعنوان: بعض كتابنا أعداء لما يجهلون (مسجد قرطبة عربون للتسامح والمحبة والسلام) * رئيس مركز اقتصاديات البترول «مركز غير هادف للربح»